ذكريات دافئة جداً..

ذكريات دافئة جداً..

ريشة: روني سعيد

كانت الدار تتسّع لها على كبر قلبها... نتجمع حولها نحن الثمانية... تجلس على كنبة دافئة وقربها مدفأة حطبية تلتهم قطع الحطب بنهم, قطع الحطب التي تنتظر دورها قرب المدفأة, تصغي إلى أحاديث جدتي الدافئة.

كانت هذه الليالي تؤنسنا جدًا خاصة في ليالي الشتاء الباردة, وعندما تشتد العواصف, ويشتد انهمار المطر في الخارج, وينقطع التيار الكهربائي, تشعل جدتي قنديلها الكازي وتدعونا إلى اجتماع دافئ قرب المدفأة, بعد أن تضع حبات الكستناء على سطح المدفأة, تسند ظهرها إلى مسند ونستند نحن جميعنا عليها, وتبدأ في سرد حكايات تطول وتطول, ودائمًا ينتصر فيها المظلوم على الظالم, والحق على الباطل, وتختمها بحكمة من وحي ما حكت. ولعلّ حكمتها الشهيرة التي تقول: إذا رفعت صوتك هذا لا يعني أنك على حق, فالحق صوته أعلى من كل الأصوات, هذه الحكمة مازالت هي الميزان الذي أضع عليه العديد من المواقف التي تواجهني يومًا بعد يوم فيحكم بعدله الصادق والهادئ.

قِطَعُ الحطب تفرقع في قلب النار, تنضج حبات الكستناء... توزعها علينا الجدة حبة حبة... وتأخذ هي أخيرًا نصيبها منها ... نلف حولها واحدًا واحدًا... يغالبنا النعاس ولا نقدر أن نترك أُنْسَ جلساتها الممتعة... فتدّعي هي النعاس... وتغلق ذاكرة حكاياتها الدافئة وتخفض ضوء المصباح... وتمضي إلى سريرها بعد أن يمضي كل واحد منا...

اليوم لم يعد الشتاء ممتعًا... وصارت لياليه متعبة جدًا... مملة... كهولة, وأمطاره قليلة وثلوجه ضعيفة... تذوب مع أول نسمة هواء ولفحة حرارة.

جدتي صارت في عالم آخر.... وتركت لنا في زوايا غرفتها دفتر حكاياتها الذي تعلوه حكمة شهيرة:

(صوت الحق أعلى من كل الأصوات).

 


 

أنعام قدوح