قدوتي العلمية

قدوتي العلمية

فيرمي.. لغز الذرة الغامضة... والطفل المعجزة

رسوم: ممدوح طلعت

(أشياء كثيرة في حياة البشر يمكن أن تكون أسلحة ذات حدّين...).

هكذا ردد العالم الإيطالي الشاب (فيرمي), حين سمع عن الانفجار المدوي الذي أحدثته القنبلة الذرية التي دمرت مدينة هيروشيما اليابانية.

في تلك الساعة الغريبة, سأله زميله في المعمل:

- هل يمكن استخدام الذرة لفائدة الإنسان?

ردد (فيرمي) في ثقة:

- الانشطار الذري مصنوع أساسًا لمصلحة البشر.

وراح يقص على زميله رحلته الطويلة مع الذرة, منذ أن ولد في مدينة (روما) عاصمة إيطاليا في بداية القرن, أي في عام 1901, وقال:

- لم أحب مدينة, مثلما أحببت روما, روما مدينة التاريخ والعلماء, وفيها عاش ماركوني, مخترع اللاسلكي الشهير.

في المدينة اكتشفت أن تطور العالم لن يقوم إلا بفضل المعرفة العلمية, ووجدت العلوم طريقا جميلا للتعرف على الأشياء.

في كل صفحة من العلم, أفهم سرا من أسرار الدنيا, خاصة أسرار علم الفيزياء.

سألني أبي ذات يوم:

- لماذا تهتم بعلم الفيزياء.... بالذات....?

فأجبته: إنه علم الطبيعة, وخاصة الذرة.

ولأن الذرة الغامضة, صارت مكشوفة الأسرار, أمامي, فقد حصلت على الدكتوراه في علم الفيزياء من جامعة (بيتا), وأنا في العشرين من العمر, اعتبروني الطفل المعجزة, ولم يدفعني ذلك إلى الغرور, أو التكابر, بل صرت أكثر بساطة وغرقت في أكثر في بحر العلم, والذرة.

وقبل أن أبلغ السادسة والعشرين توصلت إلى نظريتي المدهشة.

اكتشفت أن الجزيئات في الذرة تتحرك حركات غريبة, مما يؤدي إلى انفصالها وتجمعها بشكل يفسر سر الحياة, ومن خلال هذه الحركة تصير المادة التي من حولنا.

وقررت أن أطلق اسمي على هذه الجزيئات, اسميتها (فرميونات).

وصرت لا أنفصل عن هذه الحركة, اتتبعها دوما, وظللت أرقبها من خلال أجهزتي أكثر من ست سنوات, واكتشفت في سنة 1933, أن لكل ذرة نشاطًا لو استطعنا التحكم فيه, لأمكننا توليد قوى جبارة, أقوى من كل القوى المادية من حولنا.

فلو عرضنا حركة الجزيئات الى تغير بسيط, لحدث تحول في الذرة الهادئة.

واستطعت من خلال أجهزة التحكم الذرية أن أقوم بإبطاء حركة بعض عناصر الذرة على حساب سرعة عناصر أخرى, أو عن طريق ما يسمى بالماء الثقيل.

وكتبت أبحاثي في المجلات العلمية.

وذاع اسمي في كل أنحاء العالم.

وكانت المفاجأة في عام 1938 أن أعلن في الصحف عن فوزي بجائزة نوبل في الفيزياء وكنت أصغر من يحصل عليها, إذ لم أكن قد بلغت السابعة والثلاثين بعد...

وبعد أن تسلمت الجائزة, وجدت نفسي أتجه إلى الولايات المتحدة, حتى لا أعود إلى إيطاليا, في ظل حكم الطاغية (موسوليني).

في أمريكا صرت أستاذا جامعيا, وباحثا لا أعرف الراحة.

وعرفت أن العالم ألبرت أينشتاين قد قدم أبحاثه إلى الجيش الأمريكي, والتي استطاع من خلالها أن يصنع القنبلة الذرية الشديدة الانفجار.

لذا, حاولت أن أسبقه بأبحاثي, وتقدمت بطلب إلى السلطات لتساعدني في إنشاء أول مفاعل ذري سلمي, يمكن استخدامه في توليد الطاقة بكل أنواعها.

***

هنا سكت (أنريكو فيرمي) عن الكلام مع صديقه, وراح يتنهد, فقال له صديقه:

- عندما تندلع الحرب, تستخدم الامم العلم في تطوير الأسلحة.

ورد (فيرمي):

- الآن...انتهت الحرب...وجاء وقت السلام.

وبعد أسابيع قليلة بالفعل, بدأت الأمم المتقدمة في بناء ما يسمى بالمفاعل الذري, الذي يعتمد على الفرن الحراري, وفيه يحدث للذرة تفاعل مسلسل, يولد طاقة حرارية, ويسمح بعمل وقود ذري يمكن استخدامه في توليد الطاقة بكل أشكالها.

طاقة كهربائية لتشغيل المصانع العملاقة, ولإضاءة المدن الكبرى.

وطاقة حرارية للتدفئة.

وبفضل (فيرمي) تمكن الإنسان من السيطرة على الطاقة, وتوليدها حسبما يشاء.

وظل (فيرمي) يقدم الجديد في علم الذرة, إلى أن رحل عن عالمنا وهو في الثالثة والخمسين من العمر.

 


 

محمود قاسم