بائع الأجنحة.. حكاية من اليابان

بائع الأجنحة.. حكاية من اليابان

ترجمة: خليل كلفت
رسوم: محسن أبو العزم

يحكى أنه...في زمان قديم جدًا, لم يكن للعصافير والذباب والفراشات أجنحة, إلى أن ظهر ولد صغير يبيعها.

أتى هذا الولد من بلاد بعيدة جدًا وغير معروفة, وكان يمشي من أرض إلى أرض, حاملاً فوق ظهره, سلة مليئة بأنواع مختلفة من الأجنحة, ويغني:

(مَن يرغب في امتلاك أجنحة

جميلة أجنحتي...بديعة أجنحتي

فلتشتريها...

فإني أبيع أجنحة...

تجعلك تطير...)

ويمشي الصغير, يمشي, ومن مكان إلى مكان يغني, في الجبال والحقول والغابات والوديان, وفي الطريق الطويل المؤدي إلى السواقي وينابيع المياه.

وكان ولدا, ليس كبقية الأولاد, أرنبة أنفه مثل البلية, خداه ناعمان, وشعره كالليل وعيناه في لون النجوم.

لاشك أنه ولد جميل, لكن, لا تسألني من أين جاء تحديدًا? أو اسمه? فلقد مرّ على تلك الحكاية زمن طويل جدًا, صعب تذكره.

ربما...جلس في ليلة صيف, مسترخيًا تحت ضياء القمر مثل (بابا نويل) يحمل كيسًا, ممتلئًا بأنواع عدة من الأجنحة بدلاً من اللعب.

(أجنحة سوداء مدربة للحدآن, أجنحة بيضاء كالقشدة للأوز, وزرقاء للحمام, أجنحة فضية, صلبة كالفولاذ للطائرات, وخشبية للطواحين).

وكان الولد الصغير, يبيع أجنحة لكل من يحتاج إليها ويمشي في البلاد, سلته فوق ظهره, مغنيًا:

(مَن يرغب في امتلاك أجنحة

جميلة أجنحتي

أبيع أجنحة

ألا ترغب في شرائها?)

كان الولد الصغير بائعًا, ليس كبقية البائعين, لا يطلب لنفسه شيئًا معينًا, فالناس تدفع ما تشاء وتقدم له الشكر.

فمثلاً...يهديه البلبل أغنية جميلة وتحمله الأوزة فوق ظهرها وتطوف به في رحلة هبوب الشمس وبين السحب, ويومئ العصفور برأسه مغرّدًا, وتحييه البومة (بو...بو), ويردد الببغاء: (شكرا أيها الصغير), وتزن الذبابة وتصفر الشحرورة ويتبخطر ذكر الحمام مزهوًا أمام أنثاه بجناحيه الجديدين, ولا ينسى في هديله أن يشكر الولد الصغير.

وعلى كل حال, امتلكت الطيور أجنحتها كما نراها الآن.

وفي يوم ما, زحف التعب على الولد الصغير فتوقف أمام طاحونة قديمة بأجنحة مكسورة, ولا تدور منذ زمن بعيد, مما دفع الناس لهجرها وتركها وحيدة, تبكي فوق التل.

صاحت الطاحونة, مشفقة على تعب الصغير:

(فلتسترح عندي يا بائع الأجنحة, سوف تتعرض لبعض الأتربة العالقة, لكنك على كل حال, ستنال دفئًا).

ونام الصغير.

وفي صباح اليوم التالي, شكر الطاحونة وأهداها أجنحة جديدة, بألوان جميلة منوعة, أزرق وأحمر وأخضر وأصفر.

فردت الطاحونة بدوار أجنحتها, ورآها الطحان من بعيد, فجرى مسرعًا نحوها, حاملاً قمحه, ليطحنه.

وحمل الصغير سلته فوق ظهره, هابطًا الوادي واستدار ملوحًا للطاحونة:

(إلى اللقاء, أيتها الطاحونة الصغيرة, اطمئني واطحني قمحك جيدًا).

وفي ليلة ما...نام الولد متعبًا تحت شجرة (بلوط), واضعًا سلته بالقرب منه, تلك السلة الصغيرة التي لا تفرغ أبدًا من الأجنحة. لكن الرياح الشريرة, أصابتها غيرة شديدة من أجنحة الطيور, فتجمّعت محدثة عاصفة كبيرة, خلعت السلة من مكانها, وألقتها بعيدًا في الماء, ومن يومها وتلك الأمواج التي نراها في البحر, ما هي إلا أجنحة البائع الصغير التي تحاول منذ زمن بعيد أن تطير.

ولك أن تتخيل, كم كان الولد الصغير حزينًا, حين استيقظ ولم يجد سلته بجواره.

مشى, لمسافات طويلة, باكيًا, حزينًا, مفكرًا في الطيور التي لن تتمكن من الطيران.

وفي يوم من الأيام, رأته دودة صغيرة, فاردًا جسده على العشب, وقد تملّك قلبه الشجن والأسى.

حزنت لحاله وواسته قائلة:

(لا تبك أيها الصغير, ولا تشغل بالك بالأجنحة التي فقدتها وفكر في الأغاني التي تغنيت بها, وفي الطيور التي أمكنها الطيران بفضلك, لا تبك, حتى لا تسبب لي الأسى, فإنك لو نظرت تجدني, ضئيلة, منبوذة, ومع ذلك, لا أبكي).

رق الصغير لحالها, قائلاً:

(كم أنت رقيقة أيتها الدودة الصغيرة, ومن أجلك لن أبكي أبدًا, كم كنت أود أن أهبك أجنحة أكثر جمالاً من كل الأجنحة, كي تتمكني مثل العصفور من الطيران ولكنني, مع الأسف, لم يعد لديّ أجنحة).

سمع زهر (الخشخاش) الحوار الدائر بين الولد والدودة.

همس قائلاً:

(اقطفني أيها الولد الجميل, وخذ من أوراقي أجنحة لصديقتك الدودة).

ابتسم الصغير, قطف أوراق زهر (الخشخاش) وشبكها في ظهر الدودة.

وتمكنت الدودة من الطيران, وأصبحت بعد ارتداء أجنحتها الجديدة, فراشة جميلة.

اقتربنا الآن من نهاية القصة.

ذات مساء, نام الولد الصغير, قرب نبع ماء, وظل نائمًا لوقت طويل جدًا ومئات العصافير حوله, منتظرة أن يفيق, لكنه لم يستيقظ أبدًا, ولم يعد الصديق الصغير يفتح جفونه الملوّنة.

شدا البلبل وغنى الهدهد, وصاحت البومة (بو...بو) وردد الببغاء كلمات ما وهز العصفور رأسه مغرّدًا, وما من سبيل لإفاقته.

ولما كان الولد الصغير, بائع الأجنحة, مستغرقًا في نومته, فتش طائر (العقعق) الفضول في ملابسه, واكتشف جناحين قد نسيهما الصغير في جيوب بنطلونه, لم تلاحظهما, الرياح الشريرة وإلا كانت قد ألقتهما بعيدًا. علقت العصافير الجناحين فوق ظهر الصغير, وجعلت بائع الأجنحة يطير, بعيدًا, بعيدًا, عابرا السحاب إلى السماء الصافية.

 


 

برنار كلافيل