كنز الحياة

كنز الحياة

رسوم: هدى وصفي

الحكيم (أبو الأفكار) يحب السفر بين المدن كثيرا, كما أنه يحب التقاء الناس للتعرف عليهم وعلى صفاتهم وأفكارهم, وكان يهتم بتوجيه كلماته المفيدة إذا سألوه عن حلول لمشاكلهم. وإذا لم يسألوه فإنه لا يتوانى عن إرشادهم بأي طريقة يراها مناسبة. وفي آخر مدينة زارها أحب أهلها الكرماء كثيرًا, إذ لم يخلُ يوم من استضافته, كما أعجبته الحدائق التي تملأ المدينة, وأسبلة المياه التي وضعت في كل طريق.

عندما قرر الحكيم السفر بعد انتهاء جولته استدعى الأهالي وأخبرهم أنه قرر مكافأتهم لطيبة قلوبهم بمنحهم كنزا تركه مدفونا في جزيرة (الجمال). فرح الأهالي بمنحة الحكيم وتساءلوا عمن يمكن أن يذهب لإحضار الكنز. وحتى لا يتشاجر الجميع مع بعضهم البعض الآخر أخبرهم الحكيم أن عليهم أن يختاروا خمسة من الفتيان الأقوياء القادرين على مشاق السفر, ويمتازون بالقدرة على التحمل, لأنه من شروط الحصول على الكنز ألا يحملوا معهم ماء ولا طعاما عدا الخبز الجاف, وإلا فإنهم لن يحصلوا على الكنز الذي سيكون ملكا لجميع أهالي المدينة. وبعد أن تم اختيار الفتيان الخمسة زودهم الحكيم بصندوق صغير, وطلب إليهم ألا يفتحوه لحين عثورهم على الكنز, كما زودهم بخريطة الطريق إلى الجزيرة, وحدد عليها مكان الكنز, ثم قام بتوديع أهل المدينة.

أبحر الفتيان نحو الجزيرة, واستغرقت الرحلة أياما شاقة, بسبب حرارة الشمس وافتقادهم للماء, وتمنوا لو أن الحكيم لم يشترط ذلك الشرط الشاق عليهم, وكان الخبز الناشف قد شقق حلوقهم وألسنتهم, حتى عندما غمسوه بمياه البحر المالحة لترطيبه وجعله لينا كان يزداد عطشهم وتحرق ملوحة المياه جروحهم. وبعد عدة أيام لاحت لهم الجزيرة فرسوا على شواطئها وقطعوا سهلا منبسطا تتوسطه حفرة عميقة التفوا حولها وهم منهكون من التعب, وساروا حتى وصلوا أطراف غابة صغيرة وأخذوا يجيلون النظر, حتى وصلوا إلى قرب الصخرة التي رسمها لهم, وكانت منحوتة على هيئة طير بجناحين يمتد منقاره إلى الأمام. شعر الفتية بالفرح الشديد, ورغم تعبهم وعطشهم تحاملوا على أنفسهم وحملوا معاولهم وفئوسهم وبدأوا الحفر, وكم كانت دهشتهم حين انبثق من الأرض خيط من ماء أصابهم بطشاش ورذاذ, وسرعان ما ارتموا على الأرض يلعقون المياه ويتناولونها بأيديهم, غسلوا وجوههم وبللوا ملابسهم, وكلما حفروا أكثر زاد انبعاث الماء من الأرض ثم أخذوا يفكرون بكنز الحكيم وتذكروا الصندوق الذي طلب إليهم ألا يفتحوه, فأحضروه ووجدوا بداخله أوعية لحفظ الماء. فهم الفتية ما قصده الحكيم بالكنز, وتذكروا أنه عندما حل ضيفا كان كثيرا ما يرفع ملابسه كي لا تبتل بالمياه المتسربة من المنازل, ومن سقاية الحدائق, وعندما كان يمر على سبيل الماء ليشرب أو يغتسل كان يحكم إغلاق صنابير المياه, في وقت لم يكن أحدهم يهتم لو رآها تهدر ماءها دون فائدة. ملأ الفتية الأوعية بالمياه وأبحروا نحو المدينة وفي خاطرهم الحرص والحفاظ على كنز مدينتهم, بعدما ذاقوا العطش لأيام عدة.

 


 

لطيفة بطي