شارع العرب في سنغافورة

شارع العرب في سنغافورة

كانت أغلب أيامنا في جزيرة سنغافورة جميلة ماطرة وغائمة في ساعات النهار, وفي يوم زيارتنا إلى شارع العرب استقبلتنا هناك شمس ساطعة كأنها خرجت خصيصا لنا لإكمال المشهد العربي الذي لا بد أن يحتوي على شمس وجمل وصحراء, لقد وجدنا الشمس فقط, وكان من الصعب أن نجد الجمل والصحراء في جزيرة استوائية ماطرة, فضلنا قطع الطريق من بدايته بعد أن شحنا ذاكرتنا بكل المعلومات عن تاريخ العرب في سنغافورة, الجهة اليمنى من شارع العرب والمحل الأول مليء بالهنود.

المحل الثاني ثم الثالث ثم العاشر النتيجة نفسها, وفي كل واحد منها كنت أتفرس جيدا في وجوه باعته ومحتويات المحل لعلي أجد ما أبحث عنه, وزيادة في التأكد كنت أخوض مع أصحاب تلك المحلات في حوارات عشوائية دون جدوى. وبينما كنت على هذه الحالة وجدت على يميني شارعا قصيرا لا يتجاوز طوله عشرة أمتار سمي شارع بغداد, أخيرا توقفت عند أحد تلك المحلات لشراء قبعة. نظرت إلى الجهة المقابلة لي بعد أن تراءت لي كتابة عربية فوق أحد المحال, نظرت جيدا إليها وإذا بي أجد واحدا من أشهر أسماء محلات بيع العطور التقليدية والبخور في منطقة الخليج العربي (الجنيد أخوان).

أكملنا طريقا نحو مسجد السلطان الذي يقع في منتصف شارع العرب, وقبل أن نصل إليه وجدت شارعا شبيها بشارع بغداد اسمه شارع مسقط, وقد بني مسجد السلطان بسنغافورة عام 1924 وتم الانتهاء منه عام 1928 وقد أقيم على أنقاض مسجد قديم بني عام 1825, وتأثر بناء مسجد السلطان بالعمارة المغولية التي أقيمت في الهند, ويعد من أشهر وأضخم المساجد في سنغافورة, حيث يتسع للمئات من المصلين, وتنتشر مساجد المسلمين في جميع أرجاء سنغافورة, ففضلا عن مسجد السلطان توجد هناك مساجد: الحاجة فاطمة, الأبرار, كرامات حبيب, الجمعة, الملكة, عبدالغفور, الفلاح وغيرها. كما تباع المأكولات الخالية من دهن الخنزير وكذلك اللحوم المذبوحة على الطريقة الإسلامية بعلامات مميزة توضح نوعيتها.

وقبل صلاة الظهر كان مسجد السلطان مفتوحا أمام السائحين لإلقاء نظرة عليه دون تجاوز لحاجز بابه الرئيسي, خاصة أن هذا المسجد ليس كبعض المساجد التي تحولت إلى متاحف يسمح بدخول كل زواياها بعد خلع الأحذية ووضع الخمار على رءوس النساء.

الهجرة العربية إلى سنغافورة

يرجح بعض المؤرخين أن بداية هجرة العرب, وخاصة من منطقة حضر موت باليمن, إلى جزائر الهند الشرقية وهي أندونيسيا وماليزيا وسنغافورة كانت في أواخر القرن الثامن الميلادي وتوقفت نهاية عقد الثلاثينيات أي مع بداية الحرب العالمية الثانية, وفي الكتاب الذي يروي سيرة حياة مؤرخ الكويت وصاحب أول صحيفة صدرت فيها المرحوم الشيخ عبدالعزيز الرشيد (1887 - 1938) وردت مجموعة من الإشارات حول الوجود العربي في سنغافورة التي كانت محطة المسافرين, وخاصة الحجاج من وإلى أندونيسيا, ويصف مؤلف الكتاب الدكتور يعقوب يوسف الحجي أهل حضرموت بأنهم من أكثر شعوب منطقة شبه جزيرة العرب ولعا بالتجارة والعمل خارج الوطن, وساهم العامل الاقتصادي وصعوبة العيش في حضرموت القاحلة - تطل على البحر - في هجرة الكثيرين منهم طلبا للرزق إلى ساحل إفريقيا الشرقي ومصر والحجاز والهند وإندونيسيا وسنغافورة.

بعد مسجد السلطان كان النصف الثاني من شارع العرب شبيها بنصفه الأول خاليا من العرب ومليئا بمحلات الهنود, وفي عودتنا إلى نقطة البداية حيث ينتظرنا مرافقنا قررنا الدخول إلى المحل العربي الذي يبيع العطورات التقليدية والبخور.

دخلت وكانت على يميني بائعة محجبة مشغولة ببعض الزبائن وقبل أن أفكر في الحديث إليها جاءني من يرحب بي بكلمات إنجليزية رددت عليها لا شعوريا (السلام عليكم), لقد كانت الملامح العربية في وجه محدثي طاغية إلى أبعد حد, رد علي مبتسما (وعليكم السلام), قلت في داخلي: لقد وجدت ما أبحث عنه, ومنذ ذلك الحين أكملنا حديثنا بالعربية.

أجلسني مدير المحل السيد جنيد وكانت بيننا طاولة زجاجية مستطيلة شدتني محتوياتها التي يبدو أنها وضعت كي يشاهدها زوار المحل, مجموعة من العملات الورقية العربية غالبيتها من دول الخليج العربي تركها أصحابها كتذكار عند مدير المحل بعد أن كتبوا عليها أسماءهم الكاملة وتاريخ الزيارة, ومن حسن حظي أني أحضرت معي عملة بحرينية احتفظت بها لفترة طويل وذاك اليوم شاءت الأقدار أن تحط الرحال بصورة نهائية بعد أن أجريت لها اللازم, بعد أن أوضحت له أنني من الكويت.

 


 

إبراهيم المليفي

 




مسجد السلطان من الناحية المقابلة للشارع الرئيسي





الجنيد إخوان للعطورات المحل الوحيد في شارع العرب الذي لايزال يحتفظ بالأحرف العربية على يافطته





لافتات بأسماء العواصم العربية, منها مسقط وبغداد





لافتات بأسماء العواصم العربية, منها مسقط وبغداد





لافتات بأسماء العواصم العربية, منها مسقط وبغداد