عالم الألعاب

عالم الألعاب

رسوم: علي مندلاوي

فِي عِيد مِيلادِي الْعاشِرِ, أحْضَرَ لِي أبِي جِهَازًا جَميلاً ظَنَنْتُهُ تلْفَازًا صغيرًا, سيُسلّيني بأشْرطَةِ الرُّسومِ المتحرّكةً مثْلَ (تِوم وجيِري) و(بابَايْ) و(الْفهْدِ الوَرْدِي) و(بوكِيمونْ).

كانَ عليَّ, يا أَصدقَائِي, أنْ أسأَلَ أبي عَنْهُ, لكنَّ الْفرحَةَ الَّتِي ملأتْ قَلْبِي, أَنْسَتْنِي كُلَّ شَيْءٍ.

طَبَعْتُ خَدَّ والدي بِقُبْلَةٍ, وَشَكَرْتُهُ عَلَى هَديَّتِهِ شُكْرًا جَزِيلاً, ثُمَّ حَمَلْتُ الجهَازَ بَيْنَ يَدَيَّ, وذَهَبْتُ بِهِ إلى غُرْفَتِي.

يالَلْغَرابَةِ...! إنَّهُ حَاسوبٌ, وَلَيْس تِلْفَازًا, كَمَا كُنْتُ أظُنُّ, مَاذَا سَأَفْعَلُ بِهِ? بِمَاذَا يَنْفَعُنِي وَيُفِيدُنِي?...لَنْ يُسلِّيَنِي وَيُرَفِّهَ عَنِّي!

قُلْتُ فِي نَفْسي, ودونَ أنْ أشْعُرَ, ضَغَطْتُ عَلَى الزِّرِّ, فَجَاءَنِي مِنْهُ صَوْتٌ حَنُونٌ, كَأَنَّهُ صَوْتُ أُمِّي الحَبيبةِ:

مَرْحَبًا بِكَ, يَا بُنَيَّ, فِي عَالَمِ الألْعَابِ!

- مَاذَا تَقُولُ?!...عَالَم الألْعَابِ?!

- سَأَلْتُ فِي دَهْشَةٍ, فَرَدَّ علَى الْفَوْرِ:

- أَنَا لُعْبَةٌ إلكْترُونيّةٌ, إذَا شَغَّلْتَنِي جَيِّدًا تَحْصُلُ عَلَى عَدَدٍ كَبِيرٍ مِنَ الألْعَابِ الْمُسَلِّيَة.

تلأْلأَتْ عَيْنَايَ فَرَحًا:

- أَحَقَّا ما تقُولُ?!....يَا فَرحتِي, يَا فَرْحَتِي بِلُعْبَتِي!

قَاطَعَني قائلاً:

- هَيَّا, قُلْ لِي مَاذا تُرِيدُ مِنْ هَذه الألْعَابِ: لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ, أَنَا جِهَازُكَ بَيْنَ يَدَيْكَ, متى تَطْلُبْنِي تَجِدْنِي!

قُلْتُ لهُ مُتَلَعْثِمًا:

- حَارَ عَقْلِي مَاذَا أَطْلُبُ!...أذْكُرْ - أَوَّلاً - أَلْعَابَكَ!

أَجَابَنِي بَاسِمًا:

- افْتَحْ أُذُنَيْكَ, واسْمَعْنِي جَيِّدًا: يُمْكِنُني أَنْ أُعَلِّمَكَ كَيْفَ تَقودُ سَيَّارَتَكَ, أو أُعَلِّمَكَ مَبَادِئَ لُغَتِكَ الْعَرَبِيَّةِ. مَثَلاً, تَقُودُ أنْتَ وَأُخْتُكَ قَارِبَيْن باتِّجَاهِ دَوْلَةٍ مَا, ولاَ يَفُوزُ بِجَوْلَةٍ فِي تِلْكَ الدَّوْلَةِ إلاّ منَْ كَتَبَ كَلِمَاتٍ صَحِيحَةً ذاتَ مَعْنَى....

- حَسَنًا مَا تَقُولُ!....لَكِنْ, هَلاّ سَاعَدْتَني عَلى تَلَقِّي مَبادئ الرِّيَاضياتِ?

- صَبْرًا, بُنَيَّ!... لَوْ لَمْ تُقَاطِعْني لَذَكَرْتُ لكَ لُعْبَةَ الأرْقامِ الَّتي تُساعِدُكَ على إِنْجازِ العَمَليَّاتِ الرِّياضيَّة بِسُرعةٍ فائقةٍ.

وعِنْدَمَا تَنْجَحُ في هذه المَسَائلِ, أعْزِفُ لَكَ قِطْعَةً موسيقِيةً أوْ أَرْسُمُ حَيوانًا لطيفًا ظَريفًا أَوْ فاكِهَةً شَهِيَّةً بالأَلْوانِ الْجَذَّابَةِ كَمُكَافأةٍ عَلَى عَمَلِكَ الْجيِّدِ, ونَبَاهَتِكَ.

وَتَجِدُ فِيَّ أَلْعَابَا عِلْمِيّةً, تُدْخِلُكَ, مَثَلاً, إلَى جِسْمِ الإنْسَانِ وتَتَجَوَّلُ بِكَ فِي أجْزَائِهِ الْمُتَنَوِّعةِ, أَوْ تَأْخُذُكَ إلى غَابَاتٍ كَثِيفَةٍ تَصِيدُ فِيهَا الْقُرُودَ وَالْفُهُودَ وَالأسُودَ, والْحَمَامَ واليَمَامَ والأَرَانِبَ والسَّنَاجِبَ والثَّعَالِبَ. أَوْ إلَى دَوْلَةٍ عَرَبِيَّةٍ أَوْ غَرْبِيَّةٍ تزورُ مُدُنَهَا وقُرَاهَا, ونَهْرَها وبَحْرَهَا, وَسَهْلَهَا وَجَبَلَهَا...

قَفَزُْت مِنْ مَكَانِي فَرِحًا, وَأنَا أَقُولُ:

- هَلْ تَعْرِفُ, سَيِّدي, مَاذَا سَأَفْعَلُ?

أَجَابَنِي مُستَغْرِبًا:

- لا, وَمِنْ أَيْنَ لِي أَنْ أَعْرِفَ?!

- فَكَّرْ قَلِيلاً, كَمَا أُفكِّرُ أنَا فِي أَلْعَابِكَ!

صمَتَ لَحْظةً, ثُمَّ قَالَ:

يَظْهرُ لِي أَنَّكَ سَتُقَسِّمُ وَقْتَكَ وتُنَظِّمُهُ, فتُخَصِّص وَقْتًا لِلْدِّرَاسَةِ, ووقْتًا لِلَّعِبِ, وَوَقْتًا لي.

- بَلْ, سَأُخَصِّصُ كُلَّ الْوَقْتِ لَكَ, ولألْعَابِكَ الْجَمِيلَةِ!

رَدَّ عَابِسًا:

- لا, يا بُنَيَّ, لاَ تَفْعَلْ هَذَا!

سَأَلْتُهُ مُتَعَجِّبًا:

- وَلِمَاذَا?!....أَلَمْ يُحْضِرُكَ أَبِي لِي هَدِيَّةً بِمُنَاسَبةِ عِيدِ مِيلادِي الْعَاشِرِ?!

نَصَحَنِي قائلاً:

- أَجَلْ, لَمْ تَقُلْ إلاّ صِدْقًا, لَكِنْ يَنْبَغِي أنْ تَعْلَمَ أنَّ الطِّفْلَ الَّذِي يُشغِّلُنِي كَثِيرًا, يُتْعِبُ نَفْسَهُ, ويُقَلِّلُ بَصَرَهُ, ويُعَرِّضُ جِسْمَهُ لِلْحَسَاسِيَّةِ, لأَنَّهُ فَتِيٌّ, طَرِيُّ الْعودِ, كَمَا يُقَالُ.

فإذَا كانتْ سِنُّهُ مِنْ سِتِّ إلى تِسْعِ سَنَوَاتٍ, لاَ يُشَغِّلُنِي أكْثَرَ مِنْ ثَلاَثينَ دَقِيقَةً فِي كُلِّ يَوْمٍ, تَتَخَلَّلُهَا اسْتِرَاحَةٌ مُدَّتُهَا خَمْسَ عَشْرَةَ دَقِيقةً.

وإذَا كَانَتْ سِنُّهُ بَيْنَ عَشْرٍ وإحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً, لاَ يَتَعَدَّى مَعِي خَمْسًا وأَرْبَعِينَ دقيقَةً, وَاسْتِرَاحَةُ خَمْسَ عَشْرَةَ دقِيقَةً تَتْبَعُ كلَّ رُبْعِ سَاعَةٍ في اللَّعِبِ.

وَمَا بَيْنَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَثَلاثَ عَشْرَةَ, يُقْضِي سِتِّينَ دَقِيقَةً وَاسْتِرَاحَةُ رُبْعِ سَاعةٍ, تَتْبَعُ كُلَّ عِشْرِينَ دَقِيقَةً.

ومَا بَيْنَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وخمْسَ عَشْرَةَ, يُمْضِي ثَمَانِينَ دَقِيقَةً مَعَ اسْتِرَاحَةِ عِشْرِينَ دَقِيقَةً, تَتْبَعُ كلَّ عِشْرِينَ دَقيقةً مِنَ اللَّعِبِ.

مَسَحُْ شاشَةَ جِهَازِي الْجَميلِ بِوَرَقَةٍ شَفَّافَةٍ, وأَنَا أَقُولُ:

- شُكْرًا جَزِيلاً, سَيِّدِي, سَأَعْمَلُ بِنَصَائِحِكَ, كَيْلاَ أُتْعِبَ نَفْسِي, وأُقَلِّلَ بَصَرِي, وأُعَرِّضَ جِسْمِيِ لِلْحَسَاسِيَّةًِ, لَكِن دَعْنِي الآنَ, مِنْ فَضْلِكَ, أُشغِّلْكَ لأَلْعَبَ قَلِيلاً!

ضَحِكَ قَائِلاً:

- لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ, أَنا جِهَازُكَ الْبارُّ بَيْنَ يَدَيْكَ, شَرِيطَةَ ألاَّ تُشغِّلَنِي وتُلاَعِبَنِي أكْثَرَ مِنْ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ دقِيقةً كُلَّ يَوْمٍ!

- طَبْعًا, سَيِّدِي!....وَهَلْ هُنَاكَ طِفْلٌ يُحِبُّ أنْ يُؤْذِي جِسْمَهُ?!

 


 

العربي بن جلون