هذه زيارة إلى حديقة مثالية في عاصمة ألمانيا مدينة برلين. استطعت أن أصادق فيها 123 دُبَّا من كل أنحاء العالم. بعض الدول لا تعرف الدببة, ولا تعيش فيها, إلا في حدائق الحيوان, أو داخل صفحات الكتب. لكنها هنا تجتمع معا وتكاد ترقص, هي تعبر بزيها عن أجمل ما في بلادها. الجميل أن هذه الحديقة بعد أن زرتها منذ شهور تتجول الآن في كل قارات العالم, أي أنها أصبحت حديقة للدببة المتحدة والمتحركة أيضا!

في بداية المدخل يتوقف دب يحمل على ساعديه عاليًا الكرة الأرضية, وهذه الكرة تمثل شكل الكوكب الذي نعيش عليه, وتتوزع على مياهه أراضي ست قارات وعشرات الدول. وقرأت في لوحة على مدخل الحديقة باللغتين الإنجليزية التي يكاد يفهمها الجميع والألمانية لغة البلد صاحب الفكرة, كيف ساهمت أكثر من عشر مؤسسات عالمية في رعاية هذا الحدث الكبير.

ودائرة الدببة المتحدة التي نراها في بداية هذه الكلمات ترمز إلى السلام الذي يجب أن يعم كل دول العالم, والسماحة التي يجب أن نتقبل بها وجود الآخرين معنا دون حدود. ولقد اشترك 123 فنانا وفنانة ومن 123 دولة في رسم أهم ما يميز أوطانهم على مجسم بالحجم الطبيعي للدب الذي يعشق أطفال العالم مداعبته, من وراء الأسوار طبعا, في حدائق الحيوان.

دب اليمن الذي كان يقف بجوار دب اليابان عرفته على الفور, ففي وسطه رسم للخنجر اليماني الرائع بزركشته وألوانه, وتحت سماء عينيه صورة للعمارة اليمنية الشهيرة, التي قرأنا عنها كثيرا بقصورها الشاهقة البديعة, وجدرانها البيضاء والذهبية والبنية. وسترون أيضا جبال اليمن السعيد, وهي جبال خضراء مثل ثوب الجنة, تتوزع عليها البيوت هنا وهناك.

أما الدب الذي يمثل المملكة الأردنية الهاشمية فقد كان سهلا التعرف عليه أيضا, فمن ينسى طرق القوافل, وخزانة البتراء, والعمامة والعلم? وتوزعت على جسد الدب الأبيض, الذي مثل الجمهورية اللبنانية, أشجار الأرز الخضراء الجميلة التي تشبه هرما من لون البساتين.

والتقطت صورة لفتاتين تتأملان بإعجاب الزركشة الجميلة التي زينت الدب الممثل لدولة الكويت. وتتوسط زخرفة الدب ذي العينين الواسعتين والجميلتين نخلة, تتفرع منها شرائط خضراء. بينما الذراعان مثل عباءة عليها نقوش دقيقة بألوان زاهية. ولم ينس التصميم الجميل أن يضيف نموذجا للحلي الذهبية التقليدية أيضا. ومن يزر أسواق الكويت الشعبية يتأكد أن ذلك الدب مر من هناك!

ولعل أصدقائي يتفقون معي أن الدب الذي يمثل الجمهورية العراقية بديع أيضا, فله ساق تمثل سجادة إسلامية, وساق كأنها جدار من معبد آشوري, أي أن حضارة العراق لها جذور متعددة. وفي سماء بغداد, المرسومة على صدر الدب, يطير سندباد على بساط الريح, كما نذكر في الحكايات الشعبية لألف ليلة وليلة التي دار معظمها هناك.

ولم تكن الدول العربية وحدها, بل التقت الدببة من كل أنحاء العالم, ووقفت كلها ترحب بالضيوف الذين جاءوا في زيارة برلين ووجدوها فرصة لتحية حديقة الدببة المتحدة. والمشروع الجميل الذي أتمنى أن أرى مثله في بلادي العربية يجسد الوحدة, لذا أقيم بجانب بوابة براندنبرج التي تمثل الوحدة بين شطري برلين وشرق ألمانيا وغربها التي قسمتها الحروب.

وقد وقف دبان مختلفان في نهاية الطابور الدائري الكبير لحديقة الدببة المتحدة, إنهما دب الولايات المتحدة الأمريكية وقد تجسد في هيئة تمثال الحرية, الذي يحمل الشعلة ويستقبل القادمين لأمريكا من البر أو البحر أو الجو. أما بجانبه فدب المملكة المتحدة, وهو يحمل في القلب صورة ملكة بريطانيا, وعلم المملكة, وعلى يديه يرفع فنجان وإبريق الشاي الإنجليزي الشهير.

ولم أنسَ أن أطلب من صديق عابر أن يلتقط لي صورة بجانب الدب الذي يمثل مصر, وقد رسم عليه الفنان رءوف سمعان صورة جعران ملكي مثل الذي كان يزين المقابر الفرعونية وفي خلفيته الذهبية آثار مصر من معابد وأهرام. وعلى الجانبين نهرها الخالد تسبح به راقصة في جمال أخاذ زهرات اللوتس البديعة.

إنه مشروع فني مبتكر, وسيخصص دخل بيع هذه الدببة لاحقا لرعاية الأطفال من خلال منظمة اليونيسيف, وهكذا من خلال معرفة الجيران في هذا الكوكب نعرف أنفسنا, ومن خلال معرفة الآخر لنا يثق بنا, وبالمعرفة والثقة نبني العالم الجديد, بداية من حديقة الدببة المتحدة.