الإسلام حضارة

الإسلام حضارة

للتعليم في الإسلام مكانة عالية. ومكانة التعليم منحت له مع نزول أول آية في القرآن الكريم, حيث يقول الله عز وجل: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ سورة العلق.

وحين أخذ الإسلام في الانتشار على يد الرسول (صلى الله عليه وسلم) وصحابته الأجلاء, كان هم رسولنا بعد دخول الناس كافة في الإسلام هو تعليمهم القراءة والكتابة, لأن اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم, ولأن فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب, كما أخبرنا الرسول الكريم. وحض الإسلام على تعلم العلوم كافة من طب وهندسة وأصول دين وفقه وحديث وفلك وغير ذلك من العلوم الدينية والدنيوية.

طالب العلم

ولعل في الحديث الشريف الذي يقول : (من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع ) (رواه الترمذي) ما يدل على مكانة طالب العلم عند الله ورسوله المصطفى, وفي قول رسولنا أيضا : (من سلك طريقا يبتغي فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة, وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع, وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض (رواه أبو داود والترمذي ) ما يؤكد ذلك.

التعليم قبل الإسلام

ولكن هل معنى ذلك أن العرب لم يعرفوا القراءة ولا الكتابة قبل ظهور الإسلام ?

بالطبع لا.. فقد عرف العرب قبل ظهور الإسلام القراءة والكتابة.. فكانوا يؤرخون أهم أحداثهم على الحجارة وشواهد القبور والمعابد والسدود وتماثيل الآلهة, واستعملوا الجلود المدبوغة في تدوين رسائلهم, واستعملوا العظام وكتبوا عليها, وكتبوا كذلك على جريد النخل.

غير أن عدد الذين كانوا يتعلمون القراءة والكتابة ضئيل, ففي قريش أكثر القبائل تمدنا كان عدد الذين يكتبون بها تستطيع أن تعده على أصابع يديك! وكان من بينهم : عمر ابن الخطاب, على بن أبي طالب, أبو عبيدة الجراح, طلحة ابن عبيد الله, أبو سفيان بن حرب, وأبو سلمة المخزومي, وحفصة وأم كلثوم من أمهات المؤمنين, أما عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما فكانتا تقرآن ولا تكتبان.

بداية الوحي

ومع بداية نزول الوحي وظهور الدين الإسلامي الجديد, كان الرسول (عليه الصلاة السلام ) بحاجة إلى من يكتب له الوحي من جبريل عليه السلام, لأنه لم يتعلم القراءة ولا الكتابة مطلقا, فاعتمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ على كتبة أمناء, وكان أولهم عبد الله بن أبي السرح, ثم كتب له كثيرون غيره منهم : عمر بن الخطاب والزبير بن العوام وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب.

وقد يسأل أحدكم لماذا لم يتعلم الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) القراءة والكتابة ? ألم يكن من الأجدر أن يتعلم القراءة والكتابة حتى يكتب الوحي بنفسه من ناحية, ولأنه معلم الأمة جميعها من ناحية أخرى ?!

الإجابة ـ صديقي القارئ ـ بسيطة جدا في أحد التفسيرات, ولكنها تحتاج منك إلى بعض التأمل, وهي أن الله ـ عز وجل ـ حين اختار محمدا بالذات ليكون خاتم الأنبياء والرسل, عمد إلى أن يكون أميا ليحقق في ذلك أمرين: الأول لدفع الأكاذيب والافتراءات التي كانت تزعم أن محمدا عليه الصلاة والسلام هو الذي قام بتأليف القرآن, وأن القرآن الكريم من صنع بشر, وأن الوحي جبريل ما هو إلا افتراء من سيدنا محمد, فأراد الله أن يؤكد للناس كافة ـ المؤمن منهم والكافر ـ أن الرسول لم يتعلم القراءة والكتابة قط. فمن أين أتى بالقرآن إلا إذا كان من لدن (عند) خبير عليم? والسبب الثاني أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ أراد أن يعلم الرسول بنفسه, وأن يؤدبه بنفسه, ولذلك كانت حكمة الله كبيرة حين اجتبى (اختار) خاتم رسله أميا..

ومع انتشار الدين الإسلامي الجديد أخذ الداخلون فيه من غير العرب في تعلم الكتابة والقراءة, حتى يتمكنوا من تلاوة القرآن الكريم وتعلم علومه, ثم تعلموا النحو والصرف. وازدادت الحاجة إلى معلمين مع انتشار الدعوة, ونشر الدين الإسلامي, لتعليم أصحاب البلاد المفتوحة, فتفرق الصحابة في الأمصار للقيام بذلك الدور الجليل.

المسجد.. أول مدارس الإسلام

كان الطفل الصغير يذهب إلى المسجد ليتعلم أصول الدين, ويتأدب على يدي معلميه, وكان المعلم يجلس في زاوية من المسجد أو في مكتب ملحق به ليتعلم الطالب منه القرآن الكريم والسنة والفقه واللغة والأدب.

وفيما بعد نشأ الكتّاب المستقل عن المساجد. والكُتَّاب في اللغة مفرد والجمع كتاتيب, أي صبيان, وكان الكتّاب معروفا قبل ظهور الإسلام, ولكن مع ظهور الإسلام أصبح هوالمكان الرئيسي للتعليم, خاصة تعليم الصبيان. وكان للكتّاب أهمية كبيرة بمرور الوقت, وانتشر ظهوره في بلاد العالم الإسلامي.

وكان الغرض الأساسي من الكتّاب هو تعليم الأطفال القرآن الكريم واللغة والأدب والحساب, وكان هناك نظام تسير عليه معظم الكتاتيب, إذ يقوم المعلم بتدريس القرآن الكريم من الصباح الباكر وحتى الضحى, ثم يقوم بتعليم الصبية الكتابة من الضحى وحتى وقت الظهر, ثم يأخذ الأطفال قسطا من الراحة ويتناولون الطعام في بيوتهم, ليعود التلاميذ إلى الدراسة بعد صلاة الظهر لاستئناف الدراسة, وكان معلمو الكتاتيب يتقاضون أجورا شهرية زهيدة نظير مهمتهم. وانتشرت الكتاتيب في مدن العالم الإسلامي انتشارا واسعا, حتى وصل عدد الكتاتيب في المدينة الواحدة من مدين إلى صقلية ثلاثمائة كتّاب, وكانت أعداد التلاميذ في الكتّاب تزداد يوما بعد آخر, حتى وصلت إلى المئات.

 


 

هيثم خيري