الفيروس السجين

الفيروس السجين

رسوم: سمير عبدالمنعم

جلس الصبية الثلاثة أمام أجهزة الحواسيب, بعد أن انفضّ بقية الطلاب بانتهاء درس اليوم, دروس متقدمة يُتبعونها بالمزيد من التدريب على الصيانة.

فيروس جديد, يصيح هاني.

كان نور الشاشة يومض فيختفي كما تتراقص أنوار نافورة وسط المدينة.

يقول رياض: كأنها مركبة فضاء.

ويضيف بهاء: فيروس غير تقليدي.

وتتطلع أنظارهم, الفيروس يتألق خارج الشاشة فجأة, كأنه هباء من نباتات صيفية تتناثر مع الريح, لكنه يتمايل وكأنما أمواج موسيقية تأخذه وتعيده.

فوق شاشة الجهاز يأخذ بالدوران كإعصار إلى الأعلى فالأسفل.

هاني: لنسرع باقتناصه.

يوجه رياض أشعة من جهاز صغير لأشعة الليزر, لا تجدي فتيلا.

بهاء: الأفضل محاصرته بزجاجة!

رياض: وهذه فائدة المزهرية.

أخرج الأزهار الاصطناعية منها وأخذ يدنو بتحفز من الفيروس وسط طقوسه...

هاني: هرب! أحسنت يا رياض!

وهكذا حُبس الفيروس في المزهرية.

كان الفيروس قد دخل مرحلة التخبط بين جدران المزهرية بدافع من حركته اللولبية السابقة!

وانصرف بهاء إلى تفحّص حال الحاسوب المصاب قائلاً: الخلل بسيط.

هاني: والآن, كيف ندرس هذا الفيروس?

- لن تحتاجوا إلى تمرير الأشعة, ولا إلى غمري بالمياه!

رياض: ماذا قلت يا هاني?

- ليس هاني, بل أنا مَن يتكلم.

نظروا ثلاثتهم إلى الفيروس بدهشة! أتتكلم?

- بالطبع.

هاني: هل تطورتم أيها الفيروسات إلى هذا الحد?

- ها..ها, هذا مؤكد.

تومض الشاشة من جديد.

بهاء: يبدو أن عليّ إبطال مفعول الفيروسات المتموضعة بين طياته...واتخذ موقعه أمام الشاشة.

رياض: علينا أن نقضي على الفيروس.

- ولكن لماذا? سوف أحكي لكم الكثير عن عالم الفيروسات.

تلتقي نظرات هاني ورياض.

- لماذا القلق? سأتحول إلى فيروس طيب وأحادثكما بمودة وثقة!

هاني: لن نطلقك.

- لا يهم.

رياض: ما عالم الفيروسات?

- إنه جزيرة...ولكن حبذا لو دعوتما صديقكما لمشاركتنا الجلسة.

هاني: له شأنه, ثم إنه يسمعك بالتأكيد.

- جزيرة بعيدة تقع في أحد المسطحات المائية بكوكبنا الأرضي.

رياض: كيف لم نسمع بها?

- إنها محاطة بمجال مغناطيسي قوي, ولذلك هي مغلقة على سكانها, كان فيها ظواهر فيزيائية خارقة ساعدت على نمو بذور الفيروسات.

هاني: بداية الخيط.

- ثم إن السكان أقاموا مصنعًا لتطوير ورعاية البذور, وبنموها الكامل كانت تتشكل الفيروسات.

رياض: وكيف تخرج من الجزيرة?

- لم تكن تخرج, وإنما هي فيروسات طيبة يستثمرها السكان في تحسين المحاصيل الزراعية, واستجلاب الغيوم للمطر, وكذلك منع تسوّس الأخشاب, وتسريع إذابة المعادن.

هاني: رائع!

رياض: وقد تمرّدت بعض الفيروسات الشريرة.

- لا, لم يحصل ذلك, وإنما ذات يوم قدم إلى الجزيرة رجل وزوجته على متن زورق صغير جدا لا يعرف أحد كيف وصلا, لم يتمكنا من المغادرة, غير أنهما سرعان ما توصلا إلى اختراع جهاز اتصال يربطهما بالطبقات الجوية ويرسلان عبره الفيروسات المطورة للإضرار بالأجهزة, وتعطيل الشبكات الحيوية.

هاني: فيروسات مطوّرة?

رياض: هذا يعني أنهما تمكّنا من الاتصال بباقي أجزاء الأرض.

هاني: ولربما أوجدا بعض الأتباع.

- بالطبع, لكنهما فضّلا البقاء. في البداية كسبا ودّ السكان بابتكار المزيد من خصائص الفيروسات الطبية, إلى أن تمكنا من التغلغل في المصنع, وظهرت قدراتهما الفائقة, كما سار أبناؤهما على الدرب ذاتها, وباتوا جميعًا خلية نشطة في المصنع. تستطيع القول إننا مجموعة الفيروسات تشكل حزمة أساسية.

رياض: كم أنتم مخرّبون!

- أنا كفيروس لا يعنيني هذا! إنه عملي.

هاني: وكيف يسمح أهل الجزيرة بهذه الأعمال?

- هم أيضا لا يعنيهم, فهذا ليس عملهم, إنهم وادعون لا ينالهم الأذى, بل إنهم يعيشون بوئام مع أسرة العالمين, ومتآلفون سويًا.

رياض: ولكن...

وهنا تومض الشاشة بعنف, ويتراءى الفيروس وقد اخترق زجاج المزهرية ليصبح خارجها.

ويصيح بهاء: لا يمكن...مئات الفيروسات الطائرة تجتاح الملفات كالجراد.

وتعقد الدهشة رياض وهاني, بينما تعلو قهقهة الفيروس:

- وداعًا يا أصدقائي! أشكركم على فسحة الحوار- كانت هذه الدقائق كفيلة بتكيّفي ذاتيًا والتطور للخروج من هذا المكان وإتمام ما زرعته في أجهزتكم, وإلى اللقاء في مناسبة قادمة!

ومع نظرات الثلاثة الشاخصة, كان الفيروس قد تخطّى زجاج النافذة منطلقًا عبر الفضاء.

 


 

علياء الداية