الإسلام حضارة

الإسلام حضارة

التعليم في الإسلام

عرفنا أيها الأصدقاء أن المسجد كان أول مدارس الإسلام حيث كان الصغار يذهبون إليه ليتعلموا من معلمهم أصول الدين, ويتأدبوا على يديه. كان المعلم يجلس في زاوية من المسجد أو في مكتب ملحق به ليتعلم الطلاب منه القرآن الكريم والسنة والفقه واللغة والأدب.

الكتّاب.. ثاني المدارس:

وفيما بعد نشأ الكتاب المستقل عن المساجد. والكتاب في اللغة مفرد والجمع كتاتيب, أي صبيان, وكان الكتاب معروفا قبل ظهور الإسلام, ولكن مع ظهور الإسلام أصبح هو المكان الرئيسي للتعليم, خاصة تعليم الصبيان. أصبح للكتّاب أهمية كبيرة بمرور الوقت, وانتشر ظهوره في بلاد العالم الإسلامي. وكان الغرض الأساسي من الكتاب هو تعليم الأطفال القرآن الكريم واللغة والأدب والحساب.

وكان هناك نظام تسير عليه معظم الكتاتيب, إذ يقوم المعلم بتدريس القرآن الكريم من الصباح الباكر وحتى وقت الضحى, ثم يقوم بتعليم الصبية الكتابة من الضحى وحتى وقت الظهر, ثم يأخذ الأطفال قسطا من الراحة ويتناولون الطعام في بيوتهم, ليعود التلاميذ إلى الدراسة بعد صلاة الظهر ويستأنفوا الدراسة. ويتقاضى معلمو الكتاتيب أجورا شهرية زهيدة نظير أعمالهم.

وانتشرت الكتاتيب في مدن العالم الإسلامي انتشارا واسعا, حتى وصل عدد الكتاتيب في المدينة الواحدة من مدين إلى صقلية ثلاثمائة كتاب, وكانت أعداد التلاميذ في الكتاب تزداد يوما بعد آخر, حتى وصلت إلى المئات.

عمارة الكتّاب

والكتاب ـ صديقي القارئ ـ كان عبارة عن حجرة كبيرة لها مظلة, وخارج الحجرة رواشن (ما يشبه الشرفات حاليا), ولها درابزين من الخشب المخروط, وقد روعي في هذه الحجرة إعطاء كمية كافية من الضوء الطبيعي داخل الكتاب, وذلك عن طريق تنظيم فتحات كبيرة في حوائطه الخارجية.

وكان يوجد بالكتاب في أغلب الأحيان خزانة بالحائط لحفظ الكتب, ويغلق عليها باب من الخشب المعشق والمطعم بالصدف. وهكذا أخذ التعليم في الانتشار مع بداية العصور الإسلامية, ومع ظهور الإسلام ودعوة خاتم الأنبياء نبينا محمد عليه الصلاة والسلام.

مساجد وجامعات

عرفنا يا أصدقائي كيف بدأ تعليم اللغة العربية في المساجد, لكننا الآن سنتعرف إلى ثلاثة جوامع أصبحت الآن جامعات, تدرس معظم العلوم, وهي الجامع الأزهر, في مصر, وجامع القيروان, في تونس, وجامع القرويين في المغرب.

فجامع القيروان من أكبر المساجد الجامعة الباقية في بلاد الإسلام, وأعظمها مظهرًا, إذ يبلغ طوله 126 مترًا وعرضه 77 مترًا, وكان هذا المسجد منارة العلم في المغرب الإسلامي قاطبة, حيث تخرج فيه من العلماء من يفخر بهم العالم الإسلامي على مرِّ العصور.

وكان من بين العلماء الذين نشروا علمهم في هذا الجامع كل من: علي بن زياد تلميذ مالك بن أنس, وأسد بن الفرات الذي أقام مدة طويلة بالمدينة المنورة قادمًا إليها من القيروان. ولم يقتصر الأمر على العلوم الدينية بل إن هناك العديد من علماء القيروان ممن شاركوا في كثير من الأمور السياسية والعسكرية للدولة, فشارك بعضهم في وضع خطة مدروسة لغزو جزيرة صقلية. وتقع القيروان في تونس على بُعد 156 كم من العاصمة تونس. وكلمة القيروان كلمة فارسية دخلت إلى العربية, وتعني مكان السلاح ومحط الجيش أو استراحة القافلة وموضع اجتماع الناس في الحرب. وقام بإنشاء القيروان عقبة بن نافع رضي الله عنه عام 50 هجرية.

أما الجامع الأزهر فقد نشأ في أول الأمر كمسجد جامع لمدينة القاهرة الفاطمية, وشيد في عهد القائد جوهر الصقلي سنة 358 هجرية/969 ميلادية. وقد أصبحت مساحته اليوم حوالي 12000 متر مربع. وخصص أول رواق بالجامع لقراءة القرآن الكريم وإسماع كتب السنة المحمدية, وتدريس فقه الإمام الشافعي, وكان هذا الرواق هو أول أروقة التدريس بالأزهر, وبداية تحوله إلى جامعة مرموقة دوليًّا.

وظل الأزهر عامرًا بالدروس والعلم فكانت أروقته تضم طلابًا من شتى أرجاء الأرض, وبدأت جامعة الأزهر الحالية سنة 1930, حيث أُسست كليتان هما اللغة العربية والشريعة, وفي 1961 أصبحت جامعة الأزهر تتكون من الكليات الآتية: كلية أصول الدين, وكلية الشريعة, وكلية المعاملات والإدارة, وكلية البنات الإسلامية, وكلية الهندسة, وكلية الطب, وكلية الزراعة.

أما جامع القرويين في مدينة فاس المغربية فقد جمع في بداية إنشائه علماء القيروان من تونس وعلماء قرطبة من الأندلس. وقد عرفت فاس في عصورها الأولى مئات المساجد والمدارس والسقايات العمومية والحمامات ودور الوضوء. فكانت تزاحم بغداد في القرن العاشر الميلادي, وسكنها نصف مليون نسمة وشيد بها 800 مسجد وخزانة حافلة بالمخطوطات اليونانية واللاتينية. وقد بدئ في بناء القرويين في أول رمضان 245 هـ/ 30 نوفمبر 859 م. ومنذ بنائه وهو مركز دراسي, يشرف على التعليم فيه قاضي العاصمة كما يشرف المفتي على القضايا الإحسانية والشرعية, وبنيت بجانب القرويين مدارس لإيواء الطلبة, كما بنيت به خزائن (مكتبات) علمية. وقد أدى هذا التشجيع للحركة العلمية إلى توافر عدد كبير من المدارس في البلاد, وتقدم حركة التأليف والتدريس تقدما مدهشا.

 


 

هيثم خيري