حكاية ولد اسمه يبيع

حكاية ولد اسمه يبيع

رسم: مصطفى رمزي

سأخبركم اليوم, أيها الأعزاء, حكاية عن ولد رائع جدًا اسمه.. اسمه.. (يبيع). أما إن ارتسمت الدهشة على وجوهكم واستغربتم هذا الاسم, فقد دهش والد نادر أيضًا وقت أن سمع بالاسم, وقال لابنه:

- يا له من اسم غريب..!

سأل الوالدُ ابنَه نادر الذي صحح معلومات أبيه:

- بل ربيع.. ربيع.

- أه...

هز والد نادر رأسه, ثم استغرق في الضحك, وقال:

- فهمت.. ربيع يلثغ بالراء.

وتابع:

- لو أن الأطفال عندما يولدون يُعرَف نطقهم لما سمي أب ابنه اسما فيه حرف يلثغ فيه..

لكن نادر قال بحماس:

- لكن ربيع لم يكن يلثغ بالراء.. وربما كان سبب إعجابي به وصداقتي له هو أنه يلثغ بالراء..

ضحك والد نادر من جديد, وسأل ابنه:

- أنتَ تختار أصدقاءك حسب نطقهم للحروف إذن?

قال نادر:

- بل اخترت ربيع فقط على هذا الأساس.

- كيف?

سأل والد نادر باهتمام وقد ترك الصحيفة التي يحملها جانبًا, فأجاب نادر:

- كان في حديقة بيت ربيع شجرة ليمون كبيرة اعتاد أن يجلس في ظلها, يأكل سندويشاته ويلعب بسياراته الصغيرة, ويراقب النمل المار على التراب, ودود الربيع والحشرات الصغيرة والورود المتنوعة. وكان ربيع يحب ظلالها, ويرقب تغير هذه الظلال مع تغير ساعات النهار. ويقف تحت نقاط المطر التي تعلق على أوراقها شتاء, يستنشق عبير زهورها, ويقطف ثمرها الأصفر, الذي يصر على أنه له وحده. وقد علق في أحد فرعها أرجوحة كانت تجلب له الفرح.. باختصار.. كانت هذه الشجرة صديقته التي يحب.

تنهد والد نادر, وعلق:

- صديقته التي يحب?

هنا, سأل نادر أباه جادًا:

- هل يمكن يا أبي أن يحب إنسانٌ شجرة?

أجاب الأب:

- ربما..

قال نادر:

- بل يمكن يا أبي.. لأن ما حدث مع ربيع يدل على هذا.. فقد استيقظ ذات صباح ليجد الشجرة وقد أصبحت جذعا فقط لا يتجاوز ارتفاعه نصف متر, وكانت أغصانها الخضراء تنقل في سيارة كبيرة.. وقف دهشًا, ثم ترقرقت عيناه بالدموع وهو ينظر بألم إلى أبيه الذي كان يعطي الأوامر للعمال أن يرموا بالأغصان بعيدًا عن القرية.

علق والد نادر بحزن:

- آه..

وتابع نادر يقول بصوت خفيض:

- تقدم ربيع إلى جذع الشجرة.. لمسه بأنامله.. كان سطحه مازال رطبًا.. انبطح أرضًا ولفه بذراعيه وأجهش بالبكاء. عبثًا حاول والداه أن يبعداه عنه وأن يقنعاه بأنهما سيزرعان له شجرة أخرى, فقد نهض ودار حول الجذع دورات كثيرة, ثم صعد على سطحه وقفز فوقع, وإذا بأسنانه تنقض على لسانه فيقطع ويذهب مع الجزء المقطوع حرف الراء.

علق والد نادر:

- يا إلهي..

وتابع نادر بحزن:

- طبعًا أنسى الدم المتدفق في فم ربيع, أنساه اقتطاع الشجرة إذ أسعفه والده إلى الطبيب, وصار همه في الأيام التالية أن يقف أمام المرآة ويفتح فمه ويمد لسانه ويتفقد الحروف, فيجدها إلا حرف الراء, ومن حظه أن اسمه يبدأ بحرف الراء, وأنه كلما ذكره سأله سامعه لعدة مرات: ماذا?.. ماذا?

ويروح يقص عليه قصة لسانه الذي فقده مع الشجرة.

ابتسم والد نادر, وقال:

- حكاية غريبة..

قال نادر:

- والأغرب منها, يا أبي, أن (يبيع) شكَل وترأس جماعة من الأولاد في مثل سنه تهتم بالطبيعة, وترفض قطع الأشجار والأزهار حتى البرية منها, كما تدعو إلى عدم اصطياد الطيور والحيوانات. والأحلى, أن صديقي (يبيع), كما يدعوه الجميع, يوزع بذور الزهور على البيوت لتُزرع الشرفات بالنباتات الخضراء التي تعطي الجمال والبهجة لبني الإنسان. وأريد أن أخبرك أنني انتسبت أخيرا إلى هذه الجماعة التي دعوناها جماعة أصدقاء الطبيعة, فما رأيك يا أبي?

قال الأب معجبًا بالفكرة:

- إنها فكرة صائبة.. ولكن.. ما رأيكم أن تقبلوا انتساب الكبار إليها أيضًا?

قال نادر:

- الكبار?

أجاب الأب:

-اطرح الفكرة على صديقك (يبيع), وسوف يرحب بها. ولا تنس أن جدتك وحدها قادرة على إعطائكم الكثير الكثير من النباتات النادرة. أما أنا, فسأصمم لكم بطاقات تحمل اسم الجمعية, وما عليك إلا أن تكتب لي أسماء كل الأعضاء.

ابتسم نادر ابتسامة واسعة, وعانق والده بسعادة, وكأنه أراد أن يؤكد له أن أفكار الكبار يمكن أن تكون مكملة لأفكار الصغار.

 


 

إيمان بقاعي