كان رمزي يتساءل دائمًا عن سبب وجود الأرزة الخضراء في العلم اللبناني. (لماذا تتوسّط شجرة الأرز العلم اللبناني, ولا تتوسّطه شجرة أخرى مثل السنديانة أو الصفصافة?).

ولكن عندما زار رمزي لبنان في إجازة نصف السنة عرف السبب. لنرافق رمزي في زيارته هذه ونعرف ما حكاية شجرة الأرز وما قيمتها.

هدايا تذكارية من خشب الأرز

فور وصوله الى بيروت, العاصمة اللبنانية, بحث رمزي عن أشجار الأرز. ولكنه لم يجد أرزة كبيرة كما يتوقّع. وأخيرًا التقى ببائع الهدايا التذكارية, الذي يبيع مجموعة من التماثيل الخشبية بينها أرزة.

اشترى رمزي عدة أرزات كي يهديها لأصدقائه, وسأل البائع أين يمكنه أن يرى أرزة حقيقية. فقال البائع: (يمكنك أن تجد غابات أرز وليس أرزة واحدة, ولكن ليس هنا, بل في الجبال العالية. إن كنت ستذهب إلى هناك فالبس ثياباً شتوية سميكة).

الجبال موطن الأرز

في الصباح التالي استعدّ رمزي لزيارة غابات الأرز اللبنانية, وقد عمل بنصيحة بائع التذكارات ولبس ثيابًا شتوية, رغم أنه لم يفهم لماذا عليه أن يرتديها بينما هو في فصل الربيع!

ولكن عندما رأى أشجار الأرز عرف السبب, فالطقس بارد جدًا, والثلج يغطّي أشجار الأرز.

السائق الذي أقلّ رمزي في رحلته حكى له عن شجرة الأرز العريقة هذه.

(يعيش الأرز في المناطق الباردة, فوق الجبال العالية, حيث تتساقط الثلوج خريفًا وشتاء ولا تذوب إلا في الصيف. وقد كانت الجبال اللبنانية في القدم مليئة بغابات الأرز. توصف شجرة الأرز بأنها خالدة, لأنها تعيش طويلاً, كما أنها لا تصفرّ وتتساقط أوراقها في الخريف, بل هي دائمة الاخضرار.

خشب الأرز هو أجود أنواع الخشب. وقد تاجر أهل البلاد ببيع الخشب وصناعة السفن وغيرها.

كان الشعب الفينيقي, الذي عاش في لبنان قديمًا, بمعظمه من التجار, وقد استخدموا الخشب لصناعة السفن والإبحار بها للتجارة في الأراضي المجاورة. كذلك اشتهروا بأسطولهم البحري وسفنهم البحرية التي غزوا فيها بعض المدن المجاورة ومنها قرطاج. وقد كان الفينيقيون يصدّرون الأخشاب للشعوب الأخرى مثل الفراعنة. وبقيت تجارة خشب الأرز مزدهرة إلى أنّ قلّت أعداد هذه الغابات, ولم يعد في لبنان اليوم سوى عدد قليل منها. فبعد أن كانت الجبال اللبنانية مكتظّة بغابات الأرز لم يعد يوجد اليوم سوى أربع غابات).

غابة أرز بشرّي

سأل رمزي: (وما اسم هذه الغابة?).

فأجاب السائق: (إنها غابة أرز بشري, وهي الأكثر شهرة بين غابات الأرز في لبنان. وهي الأكبر والأكثر اتّساعًا. ترتفع عن البحر حوالي 1900 متر عن سطح البحر. يعود عمرها إلى ملايين السنين. وقد شيّدت من خشبها الهياكل والقصور والسفن عبر التاريخ).

غابة أرز الباروك

في (جبل الباروك (تنبت غابة أرز الباروك, وهو من أعرق أرز لبنان, وقد ذكر في كتاب التوراة الذي أنزله الله على الشعب اليهودي, ويقال إن النبي سليمان عليه السلام بنى هيكله من خشب هذه الغابة, الذي نقل إلى صيدا ومنها عبر البحر إلى فلسطين).

غابة أرز تنّورين

هي أيضًا قديمة العهد, تقع على ارتفاع 1700 متر عن البحر الأبيض المتوسط. وفي هذه الغابة التقى رمزي بعدد من المصوّرين الذين كانوا يلتقطون الصور لهذه الغابة الجميلة وأشجارها المميزة.

تتميّز أشجارها بأنها بارزة الجذور.

غابة أرز جاج

كان رمزي سعيدًا بمنظر الجبال والغابات وبعظمة شجرة الأرز, حتّى أن الشمس كادت تغيب ولم ينتبه إلى أنه لم يأكل بعد. وشعر فجأة بالجوع, وبينما كان السائق يقول: (غابة أرز جاج في قضاء تنّورين, تحتوي على حوالي مائتي أرزة. اشتهر خشبها).

قاطعه رمزي قائلاً : (عفوًا هل لك أن تخبرني عن مميزات هذه الغابة ونحن نتناول التبّولة والكبّة ونستنشق هواء الأرز النقيّ?).

ابتسم الرجل ومضى مع رمزي, تاركين خلفهما أشجار الأرز المعمّرة والشاهدة الحقيقية على تاريخ لبنان والرمز الجميل لهذا البلد الحبيب.