بيتنا الأرض

بيتنا الأرض

فندق الثعالب

أنا شجرة زيزفون عجوز. كنت أعيش في سلام على أرضي في (شروبشاير), حيث ترعى (الخراف الكبيرة) التي يصنعون من صوفها ثيابا شتوية جميلة, تدفيء الصغار, وتبهج الكبار.

أنا مثل كل أشجار الزيزفون, وارفة, أغصاني وفيرة وأوراقي غزيرة, تحمي الكثير الكثير من اعشاش الطيور البديعة, وظلي الممدود أنشره واسعا ليحتضن الرعاة والخراف التي تلتف حول جذعي محتمية من وهج الشمس.

عشت عشرات السنين في وداعة حتى فوجئت بكثير من النجارين والبنائين يهجمون عليّ, يصعدون ويهبطون ويدقون المسامير في لحمي, أقصد خشبي, ولم تمض بضعة أيام حتى وجدتني مثقلة ببيت كامل استقر على الانحناءة الكبيرة لجذعي. وبينما كنت أئن من ثقل هذا البيت, وجدت بشرا مزركشين تبدو عليهم الأهمية يدورون حولي متطلعين إلى أعلى, ويطلقون عبارات الاستحسان على ما أسموه (فندق الملكة الصيفي الصغير).

(أي ملكة?) كنت أسأل ولا أحد يجيبني, حتى وجدتها أمامي: (فكتوريا) التي تحمل لقب (ملكة انجلترا وايرلندا وامبراطورة الهند). ملكة شهيرة أسموا عصرا كاملا باسمها لأن بلادها اغتنت وازدهرت كثيرا في عهدها, لكن رأيي فيها - كشجرة - يجعلها أقل عندي من ملكة نمل أو نحل, ففي عهد هذه (الفيكتوريا) ذاقت شعوب المستعمرات أقسى انواع القهر وعانت ويلات الحروب التي فرضها عليها المستعمرون.

أنا شجرة لا أستطيع الحركة, وإلا كنت أطحت بهذه الفيكتوريا وبيتها أرضا. لكنني أعلنت احتجاجي على احتلالها لأغصاني, فمنعت أوراقي من الظهور والتجدد في الربيع.

لقد بنوا لها هذا البيت المبطن بزخارف الجص الأبيض والمكسو بخشب البلوط, ليصير مكمنا فاخرا تستمتع من نافذته بمراقبة الثعالب التي تحبها! ولعل أغصاني العارية أفسدت بعض متعتها. فالثعالب كانت تفطن إلى ذلك البيت المكشوف, ويهديها مكرها إلى احتمال وجود بشر في داخله, فتحجم عن الاقتراب.

(ما دام هناك بشر, فالثعالب في خطر), لابد أن الثعالب فكرت هكذا, وحاذرت أن تقترب من الشجرة التي هي أنا, وفوقها ذلك البيت, وبداخله تلك (الملكة). فهل أفسدت أنا خطة فيكتوريا للتمتع بمراقبة كثير من الثعالب?

أتمنى أن أكون نجحت في ذلك, ثأرا للبؤساء الذين كوتهم نيران حرب الأفيون في الصين, وحرب البوير في جنوب إفريقيا, وهي حروب ظالمة اشتعلت في عهد الملكة فيكتوريا لصالح الاستعمار البريطاني. وهل كنت استطيع أنا شجرة الزيزفون العارية في مراعي (شروبشاير) أن أفعل أكثر من ذلك ?!

 


 

محمد المخزنجي