القنفذ الذكي

القنفذ الذكي

رسوم: سمير عبدالمنعم

ذهب الذئب, ذات يوم, لملاقاة صديقه القنفذ, وقال له:

- ما رأيك لو تسللنا إلى الغابة المجاورة بحثا عن خروف نسد به رمق جوعنا.

فقال القنفذ متخوّفا:

- وماذا نفعل لو اعترضت طريقنا كلاب سلوقية, أو أسد?

فأجاب الذئب بعد صمت قصير:

- لا تبال, فلن نعدم حيلة حينئذ!

فسأله القنفذ:

- وكم عندك من حيلة?

فقال الذئب بغرور:

- عندي مائة حيلة وحيلة!

والتفت إلى القنفذ, وسأله باستصغار:

- وأنت كم من حيلة عندك?

فأجابه القنفذ بثقة وتواضع:

- عندي حيلة واحدة فقط!

عند ذلك أنهى الذئب الحديث وسارا معا إلى أن وصلا إلى غابة كان بها أسد يبحث عن فريسة يتغذى بها, فرأياه من بعيد, فالتفت القنفذ إلى الذئب بحذر, وقال له همسًا:

- ماذا أنت فاعل الآن بالمائة حيلة وحيلة التي تدخرها?

ولما رأى صمته وارتباكه قال له:

- إنني أتنازل لك عن المائة, علمني الحيلة الأخيرة فقط!

فأجاب الذئب بتضايق واضطراب:

- إنني في هذا الظرف الحرج لم أعد أذكر أيّا منها.

وأضاف برجاء وتوسل:

- هيا أنقذنا بحيلتك من خطوة النحس هذه.

فقال له القنفذ, وهو يراه يتراجع عن ادّعائه وغروره:

- حسنا...قبل رأسي أولاً...وقل لي مرحى!

لم يجد الذئب بدّا من الإذعان, فقبل رأس القنفذ وقال له مرحى. إذ ذاك قال القنفذ بثبات وثقة:

- لاشك أن الأسد يراقبنا الآن, فإذا تقدم نحونا سنتظاهر بالتشاجر, فتقول لي: (هل لك أولاد يعيشون عندي), وسأرد عليك: (نعم لي عشرون ولدًا يعيشون في جحرك. ألم نتفق على أن نتشارك في أولادنا, ونتكفل معا بإعالتهم, أنت لك عشرون, وأنا لي عشرون كذلك, وهم جميعًا يعيشون في جحرك?).

سمع الأسد شجارهما, فقال في نفسه:

- لأدَعَهما حتى يُخْرجا أولادهما من الجحر, وعندئذ سألتهم الجميع!

وتظاهر الأسد بعدم رؤيتهما, وتابع الذئب والقنفذ, في هذه الأثناء, حديثهما, فقال القنفذ:

- لن يحل مشكلتنا هاته إلا ملك الحيوانات, فقال له الذئب:

- هذا هو رأيي أيضًا, هيا نبحث عنه.

وسارا في اتجاه الموضع الذي رأيا فيه الأسد, فلما اقتربا منه, خرج إليهما الأسد, فبادره القنفذ بالكلام:

- أيها الملك الحازم, إنني رجل كريم النسب, ضعيف الحال, أسكن مع هذا الذئب في جحره, ولي عشرون ولدًا, وله مثلها, والآن وقد كبر الأولاد, وانفرج الجو, أردت أن أستقل بأولادي ونفسي, فلما كلمته في الأمر, أنكر أن يكون لي أولاد عنده.

فسأل الأسد الذئب:

فقال الذئب:

- أنا لا أنكر أن له أولادًا عندي, لقد طلبت منه فقط أن ينتظر حتى نجد رجلاً منصفًا حازمًا يقسم بيننا قسمة عادلة.

فقال القنفذ بحماسة:

- حسنا...ها هو ملك الحيوانات العادل الحازم. فقال الذئب وهو يحني رأسه للأسد إكبارًا:

- أنعم به وأكرم, فَلْنَمْضِ إذن إلى الجحر.

فقال لهما الأسد:

- هيا أسرعا الخطى.

وقال في نفسه: يا لها من وليمة كريمة: قنفذ وذئب وأربعون من صغارهما?

ورافقهما إلى الجحر, وكان مدخله وعرًا, فقال له القنفذ, وهو يشير إليه:

- أيها الملك, الأولاد هناك في داخل الجحر.

فقال له الأسد آمرًا: هيا ادخل وأخرجهم.

فقال له القنفذ:

- أيها الملك, إن الذئب هو الذي سيقوم بهذه المهمة, فهو صاحب الجحر.

وكان القنفذ قد أطلع الذئب على تفاصيل الخطة, وأوصاه ألا يغادر الجحر أبدًا بعد تمكّنه من الدخول إليه.

وحينما أبطأ الذئب, قال القنفذ للأسد:

إنه مخادع, وغدّار ومختلس, ومادام لم يخرج حتى هذه اللحظة, فإما أنه يخبئ الأولاد ويحصنهم, أو أنه منهمك في افتراسهم.

فقال له الأسد وقد نفِدَ صبره:

- هيا...ادخل الجحر وأخرجه بأي وسيلة, ولا تنس أن تأتي معك بأسباب الخصومة.

دخل القنفذ إلى الجحر, وتقدم فيه بالقدر الذي أحسّ فيه أنه صار في مأمن من بطش الأسد, ثم عاد أدراجه إلى باب الجحر, وقال للأسد:

- إيه....يا عمي الأسد, يمكنك الآن أن تنصرف إلى حال سبيلك, لقد تمت القسمة, صغاري ذوو أشواك, وصغار خصمي ذوو وبر!

عضّ الأسد قائمته من الغيظ والحسرة, لقد وقع في يده ما يكفيه من الطعام, ولكن طمعه الذي لا حدود له فوّت عليه الفرصة, وزاد جوعه جوعًا, وندمه ندما.

 


 

أحمد زيادي