أسئلة الشمس

أسئلة الشمس

رسوم: علي دسوقي

القطار الأزرق الطويل, الذي يعمل بالكهرباء, ويجر بذيله الحديد عددا لا ينتهي من العربات. رأى من بعيد - وهو قادم كالبرق على القضبان - رأى الحصان الذي له بشرة كالذهب حاملاً على ظهره صاحبه الفلاح ويتأهب لعبور المزلقان, فصرخ بصوته القوي ذي الأصداء والرنين: أيها الحصان الأحمق التعيس: مَن سمح لك بالمرور في هذا الطريق?! هذا الطريق مخصص فقط لسير السيد القطار.

ثم أضاف ساخرًا وهو يسحب العربة الأخيرة بطرف ذيله الرشيق:

في المرة القادمة عندما أعود يا سيد حصان لا أود رؤيتك هنا أو في أي مكان حول هذا الطريق.

بصراحة....بصراحة أيها البائس العجوز.

أنت لم تعد نافعا في أي شيء, مكانك بالمتحف فقط, أو..أو بحدائق الحيوان حتى يتفرج الناس عليك, فأنت يا صاحبي تأكل من البرسيم الكثير ولا تقدر إلا على حمل القليل والذي أحمل مثله آلاف المرات.

والقدر الضئيل الذي تستطيع حمله على ظهرك لم يعد يفيد الناس في هذا الزمان!

وبعد أن قال هذا, مضى القطار, وضحكاته العالية تجلجل مرددة في الفضاء, راك...راك...راك فوووو....

بعد سماعه هذا الكلام, حزن الحصان حزنًا شديدًا, ولم يستطع أن يأكل أو ينام, وبقي ساهرًا طوال الليل. وعندما أشرقت الشمس في الصباح, رأت صديقها الحصان مبتئسا حزينا, حتى أن نفسه تعاف الفطور, ولا يهش الذباب الواقف عليه! فراحت من مكانها في الأعالي تناديه:

ماذا بك يا صاحبي الجميل? وما لي أراك هكذا محزونا, رفع الحصان رأسه للشمس ودموع كاللؤلؤ الساخن تتدحرج على وجنتيه, ثم قال لها بصوته المتهدج حكايته مع القطار, وكيف أنه بعدها لم يعد راغبا في أن يعيش. فهو لا يجد نفسه نافعا للناس, وما لزوم أن يأكل وهو لا يفيد?

ضحكت الشمس, وضحكت حتى اهتزت في مكانها فوق السحب وملأت الدنيا بشعاعها الدافئ اللطيف, ثم قالت لصديقها الحصان:

اسمع يا صديقي. لن أقول لك كلاما ترد به على القطار, لكني أرغب أن تسأله ثلاثة أسئلة جوابها سيوضح لك كل شيء.

الأول: هل يقدر القطار على أن يعمل ما تعمله أنت وسط الحقول والأشجار?

والثاني: هل ينفع القطار في السيرك أو في سباق الخيل أو في الملاهي التي يسعد فيها كل الناس?

والثالث: هل يقدر القطار على أن يقوم بمطاردة اللصوص أو مراقبة الحدود في الليل والدنيا ظلام?

هه? احفظ يا صاحبي الجميل هذه الأسئلة واسألها للسيد القطار عندما تراه.

وراح الحصان يكرر هذه الأسئلة لحفظها حتى لا ينسى منها أي حرف, وفجأة امتلأ بالفرح والابتهاج! عندما توصل لمعنى الإجابات عن أسئلة الشمس, صديقته ملكة الفضاء, وراح يصهل بسعادة غامرة وهو يقبل على الفطور بشهية تفوق شهيته كل يوم, ويتعجل صاحبه الفلاح للخروج حتى يبصر القطار ويسمع منه الإجابة عن أسئلة الشمس الثلاثة, الشمس التي راحت الآن وهي تراه فرحًا نشيطًا تلوح له بكل ودّ وهي تستقر أخيرا على عرشها الذهبي المضيء في قلب السماء.

 

 


 

محمد المر