البقرة الفصيحة

البقرة الفصيحة

ترجمتها عن الفرنسية: منال حلمي
رسمها: جميل شفيق

في الغابات البعيدة, وطوال فصل الصيف حيث تمتلئ المراعي بالحشائش والأشجار الخضراء, كانت البقرة السمراء ترتعي بالحقول في سكينة وهدوء.

إلى أن حل فصل الخريف, وتساقطت أوراق الأشجار واشتد هطول الأمطار وأعقبه فصل الشتاء وكسا الجليد العشب والحشائش, وبدأت البقرة تعاني من الجوع فقررت حينها أن تنزل إلى الوادي بحثا عن الطعام.

وكانت كلما صادفت شخصا في طريقها كانت تتسول قائلة (موه.. موه أنا جائعة أعط بقرة مسكينة قليلا من الطعام تسد به جوعها).

إلا أن الجميع كانوا يتجاهلونها ولا يلتفتوا إليها ذلك لأنهم لم يفهموا سؤالها.

فقالت البقرة في أسى (حسنا.. ليس لدي خيار آخر, يجب أن أتعلم لغة الآخرين كي أحصل على ما أريد).

واستمرت البقرة في طريقها إلى أن قابلت عائلة من القطط, وكانت القطط تموء وتهرّ وتتبادل الأحاديث القططية في محبة وتآلف فاقتربت البقرة منهم وأنصتت بأذنيها في شغف وتركيز إلى أن نجحت في إتقان لغتهم, وفي الحال قامت بعرض طلبها إلا أنهم لم يلبوا لها طلبها قائلين في بخل إنهم لا يتناولون العشب مثلها وأن طعامهم يقتصر على اللبن والسمك وأنواع أخرى لا تناسبها.

فانصرفت البقرة في استياء وهي تواصل البحث عن الطعام إلى أن صادفت كلبا في طريقها, وبلا تفكير أسرعت قائلة (مياو.. مياو.. أعطني شيئا آكله فأنا أكاد أموت من الجوع).

إلا أن الكلب أساء فهمها وتذمر وكشر عن أنيابه وبدأ في مطاردة البقرة المسكينة وهي تجهل أن لغة الكلاب هي النباح كما أنها لا تعلم العداء الخفي بين القط والكلب.

ونجحت البقرة في الهروب من الكلب الشرس, ولجأت إلى مخزن قديم للحصاد حيث تسكنه مستعمرة من الفئران كانت تلعب وتتبادل الأحاديث فيما بينهم, ودون أن تنتبه اقتربت منهم البقرة في وداعة قائلة (مياو.. مياو.. أعطني شيئا آكله فأنا جائعة), وما إن انتهت من جملتها حتى اكتشفت اختفاء الفئران من حولها في لحظة.. وهي لا تعلم أن الفأر هو الغذاء المفضل للقطط.

ولم تيأس البقرة واستمرت في محاولة استمالة الماعز والخراف بعد أن أتقنت لغتهم إلا أنها كادت أن تعرض حياتها للخطر عندما لفتت انتباه قطيع من الثعالب.

وهكذا قررت البقرة أن تتقن لغة الإنسان لعله ينجح في تلبية مطلبها بحكمته التي يتميز بها عن سائر المخلوقات, واقتربت البقرة من سيدة عجوز كانت ترتدي قبعة جميلة من القش وتتحدث مع جيرانها عن ضرورة مساعدة الفقراء والمساكين فأصغت إلى حديثهم ونجحت في اتقان اللغة والتحدث بها مثلي ومثلك, وعندها دنت البقرة منهم قائلة (من فضلك هل تتعطفي على بقرة مسكينة وتعطيها قليلا من العشب لتأكله فأنا أكاد أموت جوعا).

وعندئذ صرخت السيدة من هول المفاجأة (يا إلهي بقرة تتحدث بلساننا).

وقبل أن تجيب البقرة على دهشتها, قامت في لحظة بابتلاع القبعة القش بورودها.

وكان الربيع على وشك الاقتراب, فأسرعت البقرة بالعودة إلى مزرعتها لتنعم بالراحة بعد معاناتها ومغامرتها في البحث عن الطعام, وكانت في الطريق تتحدث إلى نفسها قائلة (الآن أيقنت أهمية معرفة لغات الآخرين مما يسهل التفاهم معهم ومعرفة أفكارهم وآرائهم بسهولة ويسر).