الأصدقاء

الأصدقاء

رسم: مصطفى رمزي

قال جدي: تعالوا يا أولاد لأحكي لكم...فحكى:

في الزمن الماضي, كان يعيش ثلاثة من الشباب يدعون (عامر) و(ثامر) و(سامر), وكان هؤلاء الأصدقاء الثلاثة يختلفون في طباعهم وأفكارهم, (عامر) كان يحب التأمّل كثيرًا, يمضي الوقت في التحديق بالسماء, يتخيّل الغيوم البيضاء, مرة طائرات ورقية ومرة كرات من القطن تتسابق مع بعضها البعض, أو ينظر لانعكاس صورته في الماء ويحدّثها وكأنها صديق له, أما (ثامر) فكان دائمًا يتمنى أن يؤدي عملا مفيدا ينتفع به وينفع به الآخرين كأن يقود باخرة - مثلا - يحمل عليها البضائع المختلفة من الطعام والأدوية والأجهزة التي يحتاج إليها الناس لأداء أعمالهم, أو يحلم بأنه صاحب مصنع كبير ينتج سلعا مختلفة من الملابس والأحذية, وأما (سامر) فلم يكن يؤدي شيئا ولا يحلم كثيرا بما يرغب أن يكون, ولا يثيره منظر الناس وهم يعملون, أو يفكر فيما يمكن أن ينجز من أشياء, ويمضي أغلب وقته متكاسلاً نائمًا.

في أحد الأيام, مرّ رجل غريب بالشباب الثلاثة يحمل حقيبة سفر, وحيّاهم قائلاً:

صباح جميل أيها الشباب!

رد الشباب: وصباحك أجمل أيها السيد!

عاد الرجل الغريب يسأل: خبّروني أيها الشباب هل تعملون شيئا?

رد عامر: إننا نتمنى أن نحظى بعمل مفيد هل يمكن أن تساعدنا?

قال الرجل: كنت أعيش وراء الجبل وأمتلك أرضًا شاسعة, وقررت السفر, لذا سأمنحكم هذه الأرض لتكون ملكا لكم تصنعون بها ما تشاءون, وربما إذا عدت بعد سنوات أرى ما صنعتم, خذوا هذه الورقة التي ستدلكم على مكان الأرض حيث يمكنكم اقتسامها, طاب يومكم.

قال عامر: هيا, وقال ثامر: هيا نمضي لنرى الأرض, لكن سامر توجه لمنزله وهو يردد: في مثل هذا الوقت مستحيل أن نصل, سيكون الفشل حليفنا, ربما في يوم آخر.

سار عامر وثامر معًا, وقالا لسامر: نتمنى ألا تتأخر كثيرًا في الحضور. واستطاع الصديقان أن يتسلقا ويلتفا حول الجبل حتى وصلا إلى الأرض وحددا نصيب كل منهما وتركا الجزء الثالث من الأرض لسامر.

اختار ثامر أن يزرع أرضه بالفاكهة, أما عامر فقد رأى أن يزرع أرضه بأشجار الزينة والورود ليستمتع بمنظرها, وبدآ العمل حالا في شق الأرض وحراثتها وإيصال الماء إليها, وفي اليوم الذي استطاع سامر فيه أن يصل إليهما, سخر منهما ومن العمل الشاق الذي يجهدان نفسيهما به, وقال لهما: مستحيل أن أزرع هذه الأرض الشاسعة سأهلك قبل أن أنجز شيئا, وعاد أدراجه إلى منزله.

ومرّت السنون ورأى عامر وثامر نتائج عملهما وتعبهما إذ نمت الأشجار وأزهرت وأثمرت, جنى ثامر محصول الفاكهة واتفق على بيعه في سوق المدينة, أما عامر فقد ابتهج وهو يرى أسراب الطيور تحلق وتغرد فوق أشجار الزينة والفراش والنحل الذي يطير ويحط بين الأزهار, وذات مساء التقى الصديقان عامر يحمل ضمة من الزهور وثامر يحمل سلة من الفاكهة وقدم كل منهما للآخر ما يحمله, وهما ينظران بحسرة إلى أرض سامر التي أهملها ولم يستفد منها شيئًا, فحل بها الخراب والجفاف.

جلس الصديقان وفكرا بالرجل الغريب الذي منحهما تلك الأرض وشكراه في أعماق قلبيهما وطارت نحلة بالقرب منهما, فهتف ثامر: لدي فكرة! صاح عامر: وما هي?

فقال ثامر: ستكون أرضك أكثر فائدة لو فتحتها للناس ليستمتعوا بالطبيعة الساحرة, ويمكنك أن تنشئ منحلا لجني العسل وتزوّد المصانع بالزهور اللازمة لصناعة العطور, راقت الفكرة لعامر الذي كان يعتقد دومًا بصحة آراء صديقه ثامر الذي يهتم كثيرًا بما يعود بالفائدة على الناس, وراحا يعملان بجد من أجل تحقيق حلمهما الجديد حتى ذاع خبر المزرعتين وأصبحتا محط أنظار الناس وحديثهم.

وفي ليلة رأى سامر حلمًا إذ رأى الرجل الغريب يوبخه على كسله وتحججه بالمستحيل والفشل, فلم يستفد بما منحه فخجل كثيرًا, لكن بعد أن فات الأوان وأصبح عجوزًا لا يقدر على شيء.

قال جدي: والآن هل أنتم جادّون في زراعة أراضيكم?

هتفنا: أي أراض يا جدي!

أجابنا: من زرع حصد ومن سار على الدرب وصل, عقولكم هي مزارعكم, العقل هبة الله لكم, مَن يزرع عقله بأفكار النجاح وتحقيق الأحلام فسيجني الفوز, أما مَن يزرع عقله بأفكار الفشل والمستحيل, فلن يجني سوى الفشل.

 


 

لطيفة بطي