اللَّوْحَة الْمَسْرُوقَةُ

اللَّوْحَة الْمَسْرُوقَةُ

رسوم: سمير عبدالمنعم

تَوَقَّفَ سَميرٌ عِنْدَ لَوْحَةٍ زَيْتِيَّةٍ لِشابَّةٍ جَميلةٍ في الْخَامِسَةِ وَالْعِشْرينَ عاما, ثُمَّ نَظَرَ إلى صَديقِهِ أَحْمَدَ بعيْنَيْنِ تَتلأْلآنِ دَهْشَةْ, وقالَ مُتَلَعْثِما:

- غَر..يبةً!

- لا, لَيْسَتْ غَريبةً, بَلْ مُذْهِلةً!

- ماذا تَقْصِدُ, يا صديقي?!

أشارَ بأصبعِهِ إلى لَوْحَةِ الشّابّةِ نَفْسِها:

- أقْصِدُ تِلْكَ اللَّوْحَةُ الرّائعةُ (الْمُوناليزَا)

...انْظُرْ جَيِّدًا!....إنها تَبْتَسِمْ لنا ابْتِسَامةً رَقِيقَةً, لا تَكادُ تَظْهَرُ....!

أَرْدَفَ سَميرٌ مُتَعَجِّبا:

- يا لِلْغَرَابَةِ!....تتبّعْنَا بعَيْنَيْها أنّى مِلْنا...هَيّا نَذْهَبْ إلى تِلْكَ الزّاويةِ...لا, تَعَالَ إلى ذلِكَ الرُّكْنِ....نَحْنُ يُمْناكِ, نَحْنُ يُسْراكِ, نَحْنُ أمامَكِ...مازالتْ تَبْتَسِمُ وتُتَابِعنا أنّى ذَهَبْنَا...!

قالَ أحمدُ باسِما:

- مَنْ رَسَمَ تِلْكَ اللَّوْحَةَ الْجَذَّابَةَ?

رَدَّ سميرٌ عَلَى الْفَوْرِ:

- رَسَمَها الْفَنّانُ الإيطاليُّ ليونارْدُو دافِنْشي.

وُلِدَ في قَرْيَةِ (دافِنْشي) بفْلورانْسا عامَ 1452 وتُوُفِّيَ بِفَرَنْسَا سنة 1519. اعْتَنَى به جَدّاهُ, فأدْخَلاهُ الْمَدْرَسَةَ ليتَعَلَّمَ الْقِرَاءَةَ والْكِتَابَةَ, لَكِنَّهُ أَحَبَّ الرَّسْمَ حُبّا جَمّا, لأنّهُ كانَ يسْتَعْمِل حاسَّةَ الْبَصَرِ أكْثَرَ مِنَ الْحواسِّ الأُخْرى. بالْعَيْنِ يَلْتَقِطُ أشْيَاءَ مُتَنَوِّعةً, ويتَتَبَّعُ تَحْليقَ الطُّيورِ, وحَرَكَة الْمَاءِ, وَتَضَاريسَ الأرْضِ, وتَقَلُّباتِ الْفُصُولِ, وتَشْرِيحَ جِسْمِ الإنْسانِ....

وكانَ يعْتَبِرُ الْعَيْنَ طريقا إلى الْعِلْم والْمَعْرِفَةِ, فأَصْبَحَ:

عالِمًا مِنْ عُلَماءِ الرّياضةِ, مُهَنْدِسًا مِعْمَاريّا, ميكانِيكيّا ماهِرا, مُصَوّرا بارِعًا, أسْتاذا كُفْئًا للرَّسْمِ, باحِثا في عِلْمِ النَّباتِ والْحَيَوانِ, مُخْتَرِعا لِلْمُحَرِّك الْجَوّي والْبَحْرِي,مُكْتَشِفًا في عِلْمِ الضَّوْءِ والْحَرَارَةِ, وفي حَرَكَةِ الأرْضِ, كاتِبا قِصَصيّا للأطْفَالِ, عازِفا على آلاتٍ موسيقيّةٍ.

- يا لَها مِنْ عَبْقَرِيّةٍ!....سُبْحَانَ الَّذِي جَمَعَ الْعَالَمَ في واحِدٍ!

- كَيْفَ أحاطَ بكُلِّ هذه الْفُنونِ والآدابِ والْعُلومِ?!

ألاَ تُبَالغُ أحْيانا, يا صديقي?!

أيَمْلِكُ هذا الرّسّامُ عَقْلَ آلْجِنِّيّ?!

- إنّ ذلِكَ لَيْسَ غَريبا في الْعُصُورِ الْماضِيَةِ, لأنّ الإنْسانَ كانَ يسْعى طيلةً حَياتِهِ إلى الْمَعْرِفَةِ الشّامِلَةِ والثَّقافَةِ الْعامَّةِ, أيْ يَطْلُبُ الْعِلْمَ مِنْ الْمَهْدِ إلى اللَّحْدِ..

وإذا أرَدْتَ أنْ تَتَأَكّدَ مِنْ كَلاَمِي, فاقْرَأَ في هذه السِّلْسِلَةِ الْقَصَصِيَّةِ عنِ الْجَاحِظِ والْبيروني, مَثلا, تَجدْهُما مِنْ ذَوي الْمُيُولِ والْمَوَاهِبِ الَّتي تُحَيِّر الْعَقْلِ في عَصْرِنا الْحاضِرِ.

نَحْنُ, يَا صَديقي, نكْتَفِي مِنَ الْعِلْمِ والْمَعْرِفَةِ بالْقَلِيلِ الْقَلِيلِ, والسَّرِيعِ السَّرِيعِ...!

ولهَذِهِ اللَّوْحَةِ قِصَّةٌ ظَريفَةٌ, لَنْ تُصَدِّقَني إذا حَكَيْتُها لَكَ حَدثا حدثا, ولَحْظَةً لَحْظَةً.

إذَنْ, افْتَحْ لي أذُنَيْكَ الطَّوِيلَتَيْنِ, واسمْعَنِي جَيِّدًا:

رَسَمَ دَافِنْشي الموناليزا على خشب الصَّنَوْبَرِ, بقِياس 35x77 سَنْتِميِتْرًِا, وبَقِيَ يَرْسُمُها في مَرْسَمِهِ أَرْبَعَ سَنَواتٍ كامِلةً, صَيْفَ شِتَاءَ, صَبَاحَ مَسَاءَ, مِنْ عامِ 1503 إلى 1507.

لَكِنْ, يا لَلأَسَفِ الشَّدِيدِ!

ستُصْبِحُ اللَّوْحَةُ, فِيما بَعْدُ, أَصْغَرَ مِمّا كانتْ عَلَيْهِ بَيْنَ يَدَيْ دافنشي صاحِبِها!

هَلْ تَعْرِفُ ماذا حَصَلَ لِلْمِسْكينةِ, يا صديقي?!

- لا, ومِنْ أيْنَ لي أنْ أعْرِفَ, وأنا لَمْ أَعِشْ في ذَلِكَ الْعَصْرِ الْبَعِيدِ.?!

وما كِدْتُ أفْتَحُ فَمي لأقولَ لَهُ:

وهَلْ أَنا الَّذِي أحْكي, كُنْتُ حاضِرًا مَعَهُ أوْ صَديقًا للرَّسّامِ?....حَتَّى بَادَرَ قائلاً:

- صَهْ!....لا تَنْطِقْ بكَلِمةٍ!....لَقَدْ عَرَفْتُ السَّبَبَ....

- إذَنْ, قَرَأْتَهُ في كِتابٍ أوْ مَجَلَّةٍ مِثْلِي!

أَشارَ بأصْبعِهِ إلى رَأْسِهِ:

- حَزّرْتُ وفَزَّرْتُ: أَلمْ يُبْلِ الزّمانُ اللَّوْحةَ فأصْبَحَتْ صغيرةً, كما يُبْلِي أَلْبِسَتَنَا وأَدَوَاتِنا وكُتُبَنا?

ضَحِكْتُ قائلا:

- صَدَقْتَ, وبالْحَقّ نَطَقْتَ!.....إذا لَمْ نُحافِظْ على ثِيابِنا وأشْيائِنا يُبْليها الزّمانُ, أمّا لوحةُ دافنشي, فإنّ يَدا عابِثَةُ أصابَتْها عَمْدا وقَصْدا بكَسرٍ في الْعَمودَيْنِ اللَّذَيْنِ يَحْمِيانِها مِنَ الْيَمِينِ والْيَسَارِ. وأَتْلَفَتْ أجْزاءَ مهمّةً منها, تَحْمِلُ تَفَاصِيلَ فَنِّيَةً دَقِيقَةً!

طأَطَأَ صاحِبي رَأْسَهُ, وقالَ بِصَوْتٍ حَزينٍ:

- حَقَّا ما قُلْتَ وعَبِرْتَ!....إنّها يَدٌ عابِثَةٌ, لا تُقدِّرُ الْفَنَّ ولا رِسالَتَهُ النَّبيلةَ. أنا مُنْذُ طُفُولَتي الأولى, أصون لَوْحَاتي مِنَ الْبلى والْوَسَخِ والضيَّاع. وإذا زُرْتُ مَتْحَفًا أو مَعْرِضًا للرُّسومِ, لا أقْتَرِبُ مِنَ اللَّوْحَاتِ, ولا ألْمَسُها بيَدي أوْ أصْبَعِي, كَيْلا أتْرُكَ فَوْقَها بَصْمَةً أو وَسْخَةً, أو خَمْشَةً أو خَدْشَةً, بَلْ لا ألْتَقِطُ لها صورةً إلاّ بإذْنٍ مِنْ صَاحِبِها الرَّسّامِ!

تلأْلأتْ عَيْناي فَرَحا:

- شُكْرا, يا صديقي, وأنا أيْضًا مِثْلَكَ!

سَأَلَني بِشَوْقٍ:

- إيهِ, وماذا بَعْدُ?

- عِنْدَما أكْمَلَ دافنشي اللَّوْحةَ هذه, لَمْ يُرِدْ أنْ يَبيعَها, لا لِلْمَرْأَةِ المَرْسُومَةِ ولا لِزَوْجِها!

قاطَعَني صاحِبي مُسْْتَغْرِبا:

- ولماذا?!....أَلَيْسَ الزَّوْجانِ أوْلى بها منه?! أَلَمْ يَرْسُمْها بطَلب مِنْهُما?!....والْمَرْأَةُ الشّابَةُ الّتِي بَقِيَتْ أرْبَعَة أعْوامٍ كامِلةٍ, وهِيَ تَحْضُرُ مِثْلَ تلميذٍ, وتَجْلِسُ فَوْقَ كُرْسِيَّ, لا تَتَمَلْمَلُ ولا تُرَمِّشُ عَيْنَيْها, ماذا حَصَدَتْ في الأخير?!

- لا شَيْءَ, لا شَيْءَ!....في الْبِدَايةِ, كانَ دافنشي يُنْجِزُ اللَّوْحَة للزَّوْجَيْنِ, لَكِنَّهُ عِنْدَمَا أنْهاها, وَجَدَ أنَّهُ أضْفى على الْمَرْأَةِ الْمَرْسومةِ, بَعْضًا مِنْ مَلامِحِ وَجْهِهِ, دونَ أنْ يَقْصِدَ أوْ يُفَكِّرَ أوْ يُحِسَّ!

عَزَّ عليه أنْ يبيعَ نَفْسَهُ, عُذْرا, أقْصِدُ اللَّوْحَة. وَبَقِيَ يَحْتَفِظُ بِها في مَرْسَمِهِ, إلى أنْ هاجَرَ يَوْمًا ما, وباعَها لِمَلِكِ فَرَنْسا فرانْسيس الأوَّلِ.

ومُنْذُ سنةِ 1516 بَدَأَتِ اللَّوْحَةُ الْمِسْكِينَةُ تَنْتَقِلُ مِنْ يَدٍ إلى يَدٍ, وَمِنْ قَصْرٍ إلى قَصْرٍ, فَمِنْ يَدِ الْمَلِكِ إلى قَصْرِ فِرْسَايْ بباريس, الْعَاصِمَةِ الْفَرَنْسِيّةِ, إلى مَتْحَفِ اللُّوفر الكبيرِ, إلى يَدِ نابليون بونابرت لِيُعَلِّقَها في غُرْفَةِ نَوْمِهِ, ثُمَّ عادتْ إلى اللوفر في نِهايةِ حَياتِهِ.

ولَمْ تَنْتَهِ الرِّحْلَةُ....أعْني رِحْلَةَ اللَّوْحَةِ!

ففي صَبيحةِ الْحادي عَشَرَ مِنْ شَهْرِ أغسطس عام 1911 دَخَلَ حارِسٌ مِنْ حُرّاسِ الْمَتْحَفِ, اسْمُهُ فنسينزو بيروجيا, ونَثَرَ اللوحة مِنْ مَكانِها, ثُمَّ خَبَّأَها تَحْتَ عَباءَتِهِ الْفَضْفاضةِ...

أُسْكُتْ, لا تَسْأَلْنِي: كَيْفَ تَسَعُ الْعَبَاءَةُ, وَلَوْ كانتْ فضْفاضةٌ, هذه اللَّوْحَةَ?!

حَسَنا ما تقولُ, لَكِنْ, أَلَمْ أُخْبِْرْكَ في الْبِدَايَةِ أنْ يَدا عابِثَةً كَسَّرَتْ جانِبَيْها, مِمّا جَعَلَ عَرْضَها أصْغَرَ?

ولِكَيْ يُخْفِيَ اللَّوْحةَ الْمَسْرُوقةَ, أنْجَزَ منها سِتَّ نُسَخٍ, باعَها بأثْمَانٍ باهظةٍ لِهُواةِ الْعَمَلِ الْفَنِّي, وكُلٌّ مِنْهُمْ يَظُنُّ في نَفْسِهِ أنَّ لَوْحتَهُ أصْلِيَّة. وفيما بَعْدُ ستَعْتَقِلُ الشُّرْطَةُ بيروجيا بمدينةِ فلورانسا, وبَيْنَ يَدَيْهِ اللوحةُ الْحَقِيقيَّةُ.

وفي الثَّلاثينَ مِنْ شَهْرِ ديسَمبر سنة 1956 دَخَلَ زائِرٌ مِنْ بوليفيا, اسْمُهُ (أوغو أونغازا) ولَمْ يَطِقْ أنْ يَرى هذه اللوحة الرّائعة, هَكَذَا حَسَدا وحِقْدا وبُغْضا, فَقَذَفَ مَرْفَقَها الأيْسَرَ بمَوادَّ كيميائيَّةٍ, أعْني مَرْفَقَ (الموناليزا)!

ومُنْذُ تِلْكَ الْحَادِثَةِ الشَّنِيعةِ, لَمْ تَعُدْ لَوْحَتُنا عُرْضةً لأيّ خَطَرٍ أو ضَرَرٍ, لأنَّ الْقَيِّمينَ عليها أحاطوها بزُجاجٍ سَمِيكٍ, لا يَخْتَرِقُهُ أذَى, وَلَوْ كانَ رَصَاصا, فَضْلاً عَنْ ثُقُوبٍ صغيرةٍ جِدّا, كأنّها مَسامٌ, لِلْتَّهْوِيَةِ!

ابْتَسَمَ صديقي قائلا:

- بَقِي أنْ تُحَدِّثُني عَنِ السِّرِّ الْخَفِيِّ لابْتِسَامَةِ الموناليزا الْعَذْبَةِ!

أطْرَقْتُ أفَكِّرُ قليلا, ثُمَّ رَفَعْتُ رَأْسِي:

- حَقَّا, إنّها ابْتِسامَةً عَذْبَةً!....وسِرُّها الْخَفِيُّ يَعودُ إلى تَسَوُّسٍ في أسْنَانِها, مِمّا جَعَلَها تَبْتَسِمُ ابْتِسَامةً بِاهِتَةً جِدّا, كَيْلا تَفْغَرَ فَمها, فَتَظْهَرَ سِنُّها الْمُسَوَّسةُ.

وهُناكَ مَنْ يَدَّعي أنّ الْمَرْأَةَ كانتْ تُحَافِظُ عَلى أَسْنَانِها وتُنَظِّفُها, لَكِنْ مِنْ عادَتِها أنْ تَكُزَّ عليها, أي تَضْغَطُ فَكّها الْعُلْوِيَّ على السُّفْلِيِّ, فلمْ تُرِدْ أنْ يَظْهَرَ في الرَّسْمِ هذا الْعَيْبُ!

إلاّ أنّ تِلْكَ الابْتِسَامةَ تَظَلُّ دائمًا سِرّا خَفيّا, ولُغْزا غامِضا, يُحَيِّرانِ الْعَقْلَ. كما أنّ نَظْرَتَها الّتي تَتْبَعُنا أنّى تَحَرَّكْنا, يمينا أو يسارا, هِيَ أيْضا تُظْهِرُ بَراعةَ دافنشي الْفَنِّيةَ.

قُلْتُ لَكَ مِنْ قَبْلُ إنّ رَسّامَنا كانَ قاصّا للأَطْفالِ. ومِنْ قِصَصِهِ أذْكُرُ أنّ حارِسا لِحَدِيقةِ الْحَيَوانِ أَدْخَلَ حَملاً وَديعًا إلَى قَفَصِ الأسَدِ لِيَتَغَذَّى بِهِ.

وكَمْ كانَتْ دَهْشَةُ مَلِكِ الْغَابَةِ عَظيمةٌ, عِنْدَمَا رَأى الْحَمْلَ يَلْعَبُ بِجَانِبِهِ هادِئًا هانِئًا, لا يُبالي ولا يَرْتَعِشُ مِنْ قُوَّتِهِ كَمَا يَفْعَلُ الآخَرُونَ!

تَسَاءَلَ الْمَلِكُ مُتَعَجِّبا:

- كَيْفَ يَحْصُلُ هذا, وكُلُّ الْحَيَواناتِ تَخافُني وتهْرُبُ مِنّي, كبيرُها وصغيرُها, قويُّها وضَعيفُها?!

هَلْ تَعْرِفُ, يا صديقي, ماذا فَعَلَ الأسَدُ الْقَوِيُّ?!

- بطبيعةِ الْحالِ, ابْتَلَعَهُ لُقْمةً سائغةً!

ضَحِكْتُ قائلا:

- لا, بَلِ الْعَكْسِ فَعَلَ!....تَنََحّى عَنْهُ جانِبا, وتمَدَّدَ على الأرْضِ, فتبِعَهُ الْحَمَلُ وجَلَسَ بقُرْبِهِ ساكِنا, يثْغو بصَوْتِهِ الْحَنُونِ!

ويَحْكي دافنشي كذَلِكَ أنّ عُلَّيْقَةَ توتٍ, كانتْ تَشْكُو دائما مِنْ عُصفُورٍ شِرِّيرٍ, يأْتيها صبَاحًا باكِرا ليَجْنِيَ ثِمارَها الشَّهِيَّةَ.

ويَوْمًا ما, صادَ رَجُلٌ الْعُصْفُورَ, وألْقى به في قَفَصٍ مِنْ عيدانِ الْعُلَّيْقةِ. فأَخَذَ يصيحُ بأعْلى صَوْتِهِ, ويَسْتنْجِدُ بِالْعِيدانِ, كَيْ تُخَلِّصَهُ مِنَ الْقَفَصِ, وتُنْقِذَ حَياتَهُ مِنَ السِّجْنِ.

رَفَضَتِ الْعِيدانُ طَلَبَهُ قائلةً:

- أَتَذْكُرُ, أيُّها الظَّالِمُ, عِنْدَمَا كُنْتُ تُعَرِّينا مِنْ توتِنا, وتتْرُكُنا عُرْضَةً لِلْبَرْدِ حينا, ولِلْحَرِّ حينا آخَرَ, وتَعْتَدي على ثِمارِنا الشَّهِيَّةِ?!

إذَنْ, أُحْصدُ ما جَنَتْ يَداكَ الآثِمَتانِ...!

 


 

العربي بن جلون