بيتنا الأرض.. د. محمد المخزنجي

بيتنا الأرض.. د. محمد المخزنجي
        

غاب الحراس السود... فضاعت السمكات البيض

          «الزبيدي» سمكة جميلة، شبه مربعة ومضغوطة من الجانبين، تكون في المياه فضية تلمع، وما إن تخرج من الماء حتى تتساقط قشورها الرقيقة لتبدو بيضاء، وهناك شريط أزرق خفيف عند منطقتها الظهرية، أما أطراف زعانفها المميزة فتكون صفراء بلون الليمون.

          في أسواق السمك بالخليج العربي تكون «الزبيدي» سيدة الأسماك، يحبها الصغار قبل الكبار، فهي ناعمة اللحم، طرية العظم، سهلة التنظيف، وسريعة الطبخ. لكن أسعارها ترتفع الآن عاما بعد عام، وأعدادها في الخليج تقل، ويخشى محبوها أن تنقرض يوما ولا تعود للظهور.

          تأتي أسماك الزبيدي في قطعان كبيرة من المحيط الهندي لتتكاثر في مياه الخليج، ولأن لونها الأبيض الفضي يلمع بشدة، فهي تبدو للأسماك الكبيرة فرائس مغرية، لكن الله وظف لها حراسا أشداء يردعون كل من تسول له نفسه من وحوش البحر الهجوم عليها، وهؤلاء الحراس هم:

اللخمة السوداء

          وهي من الأسماك الخطرة، ولها في نهاية ذيلها شوكة مؤذية كالرمح تخترق اللحم الذي تدخل فيه، ولاتخرج إلا بتمزيقه.

الدلفين الأسود

          وهو يشبه قربة الماء، وتخشاه أسماك القرش بالرغم من أنه مسالم ولا يعتدي على من لا يعتدي عليه أو على أسراب الزبيدي عندما يحرسها.

سمكة الحلوى

          أو «الحلوايوه» الرمادية الأميل إلى السواد، وهي تكاد تكون مماثلة في الشكل للزبيدي لكنها سوداء، فكأنها تموه بلونها الداكن ذلك اللون الفضي البراق لأسماك الزبيدي أثناء رحلتها الطويلة من المحيط الهندي إلى الخليج العربي.

          بفضل هؤلاء الحراس السود المخلصين كانت أسماك الزبيدي تصل إلى الخليج بكثرة، وكان الصيادون لا يغالون في صيدها، فهم لاينصبون شباكهم إلا في أول أيام الشهر العربي، ومنتصفه، وآخره، وفي الوقت من بعد الغروب إلى ما قبل الشروق. لكن الصيادين الآن صاروا ينصبون شباكهم المصنوعة من النايلون في عرض البحر، ويستخدمون الزوارق السريعة المفزعة، في كل الأيام وكل الأوقات، ولم تعد أسماك اللخم والحلوى السوداء ولا الدلفين الأسود تظهر، خوفا من هذه الزوارق المروِّعة، وتحاشياً للوقوع في هذه الشباك الكثيرة القاسية.

          صارت قطعان الزبيدي البيضاء الفضية مكشوفة للأسماك المفترسة بلا حراس ولا تمويه، ولم يعد يصل منها إلى الخليج إلا القليل. ولو استمر الحال على ما هو عليه، فيُخشى أن يأتي يوم تختفي فيه سمكة «الزبيدي»، لذيذة الطعم، والجميلة أيضا.