الإسلام حضارة.. هيثم صبري

الإسلام حضارة.. هيثم صبري
        

البيطرة والرفق بالحيوان

          يدعونا الإسلام إلى الرفق بالحيوان، والعطف عليه، ونحن نحفظُ حديث رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، الذي يقول فيه، دَخَلتْ امْرَأةٌ النَّارَ في هرَّةٍ حَبَسَتْها، فلمْ تُطعِمْهَا ولم تَدَعْهَا تأكلُ من خَشَاش الأرض .

          والخشاش معناه الحشرات التي توجد في الأرض، أي أن النار مصير من يعذب الحيوانات، أو يحبسها من دون طعام. وحين ننظر كيف كانت رعاية الحضارة الإسلامية للحيوان، سنتأكد أن الرفق بالحيوان والرحمة به، كانا من السمات البارزة في حياة المسلمين على مر العصور.

          وقد اهتم العلماء بالبيطرة، وهي طب الحيوان، وألفوا الكتب التي تصف الحيوانات، وترسم أجزاءها لسهولة رعايتها. ومن بين هؤلاء العلماء، ابن البيطار، واسمه الكامل: ضياء الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد المالقي نسبة إلى مدينة مالقة التي ولد فيها بالأندلس. ولد ابن البيطار حوالي سنة 1197 ميلادية وتوفي في دمشق سنة 1248 ميلادية.

          درس ابن البيطار النباتات وخواصها في بلاد واسعة، فسافر إلى مراكش والجزائر وتونس وسورية ومصر والحجاز وغزة والقدس وبيروت وبلاد الإغريق وبلاد الروم.

          ويعتبر كتابه «الجامع لمفردات الأدوية والأغذية» والمعروف بـ «مفردات ابن البيطار» من أنفس الكتب النباتية وأشهرها، وفيه شروح مفصَّلة لعدد كبير من الأدوية (1400 دواء بين نباتي وحيواني ومعدني، ومنها 300 دواء جديد من ابتكاره الخاص) معتمداً على مؤلفات (أكثر من مائة وخمسين كتاباً بينها عشرون كتابا يونانياً)، وقد بيّن الخواص والفوائد الطبية لجميع هذه العقاقير وكيفية استعمالاتها كأدوية لا يستطيع الطبيب الاستغناء عنها، ورتَّبت فيه الأدوية التي تعالج كل عضو من أعضاء الجسد ترتيباً مبسطاً وبطريقة مختصرة ومفيدة للأطباء ولطلاب الطب، ويوجد منه العديد من النسخ المخطوطة. واستعمل هذا الكتاب في تكوين أول صيدلية إنجليزية أعدتها كلية الطب في عهد الملك جيمس الأول.

          وقد ازدهر علم النبات عند المسلمين منذ القرن الرابع للهجرة، ومن العلماء الذين أسهموا في هذا العلم الطبي المفيد للإنسان وللحيوان: ابن جلجل، والشريف الإدريسي، وابن الصوري، وأبو العباس النباتي وغيرهم، وافتتحت الصيدليات العامة في زمن المنصور، كما ألحقوا الصيدليات الخاصة بالبيمارستانات (المستشفيات)، وكان للصيدلية رئيس يسمى «شيخ صيدلانيي البيمارستان» وجعلوا على الصيادلة رئيساً سمي (رئيس العشابين أي نقيب الصيادلة) ووضعوا كتباً خاصة بتركيب الأدوية. والصيدلية الملحقة بالبيمارستان (المستشفى) يصفها المؤرخ القلقشندي قائلا: كان فيها من أنواع الأشربة والمعاجين النفيسة،، وأصناف الأدوية، والعطور الفائقة التي لا توجد إلا فيها، وفيها من الآلات النفيسة والآنية الصينية من الزبادي والبراني، ما لا يقدر عليه سوى الملوك، ويقف الصيدلي بباب الصيدلية لابساً ثيابه البيضاء يصرف الدواء ومن ورائه الرفوف الممتلئة بالأدوية والقوارير.

          كما نذكر كتابًا شهيرًاعنوانه «تذكرة أولي الألباب والجامع للعجب العجاب:  وهو أحد أشهر المؤلفات الطبية والصيدلانية التي ظهرت في القرن الحادي عشر الهجري / السابع عشر الميلادي. واشتهر باسم تذكرة داود نسبة إلى مؤلفه داود بن عمر الأنطاكي. وهو مؤلف كبير يتناول كل أنواع العلاج الطبيعية بالأعشاب الطبية، وفيه قسم كبير عن رعاية الحيوان الطبية باسم قسم البيطرة.

 


 

هيثم صبري   

 




(ابن البيطار) ولد حوالي سنة 1197 م وتوفي في دمشق سنة 1248 م





أجزاء الحصان في رسم جديد اعتمد على كتب الحضارة الإسلامية





من «كتاب البيطرة» المؤرخ بسنة 1209م