بيتنا الأرض.. د. محمد المخزنجي

بيتنا الأرض.. د. محمد المخزنجي
        

الأولاد الطائشون في الغابة

          تعددت حوادث التدمير الغامضة في غابة كروجر بجنوب أفريقيا. وغابة كروجر ليست واحدة من الأدغال الأفريقية المعتادة والمباحة للصيادين يفعلون فيها مايحلو لهم من قنص وقتل للحيوانات والطيور. إنها محمية يُحظر على الصيادين المسلحين والجشعين دخولها. ومن يتسلل إليها منهم يقبض عليه حراس المحمية ويحاكم ويدخل السجن أو يدفع غرامة باهظة تبعًا لحجم الجُرم الذي يرتكبه في المحمية. وهذا ماجعل حوادث المحمية الأخيرة لغزًا يتعين على مشرفي« كروجر» وحراسها أن يحلّوه.

          حيوانات قوية مثل جاموس الكاب ووحيد القرن أُصيبت بجراح قاتلة وتحطمت بعض عظامها القوية. وحيوانات أصغر مثل الغزلان وحمير الزرد لاقت حتفها سحقًا. وافترض حراس الغابة أن هناك صيادين مجرمين أمكنهم التسلل إلى الغابة بسيارات قوية وعاثوا فيها دهسًا وقتلاً. لكن لماذا؟ هذا السؤال زاد من حيرة المسئولين عن كروجر، فهم يعرفون أن الصيادين يقتلون الحيوانات لأخذ أجزاء منها لبيعها سرًا مثل أنياب الأفيال أو جلود النمور أو قرون وحيد القرن. أما أن يكتفوا بإصابة الحيوانات أو قتلها وتركها كاملة فهو أمر غريب يتطلب البحث وتشديد المراقبة.

          لم يسفر تشديد المراقبة عن ضبط أي صيادين تسللوا إلى الغابة. لكن إحدى الفتيات المشرفات فكرت في أن من يستطيع إحداث جروح كبيرة كالتي رأوها وفي حيوانات قوية مثل وحيد القرن لابد أن يكون شيئا أقوى وأكبر من وحيد القرن. ولم تجد في الغابة أكبر من الأفيال فأخذت في مراقبتها من بعيد بمنظار يصل مداه إلى عدة كيلومترات.

          كانت الأفيال بالفعل هي من يرتكب جرائم قتل وجرح حيوانات عديدة وتدمير مساحات واسعة من الأشجار والنباتات. شاهدت ذلك بنفسها عبر منظار المراقبة. وبمتابعة هذه الأحداث الدامية استطاعت أن تحدد الأفيال التي ترتكب هذه الحوادث المخربة. إنها مجموعة الأفيال الفتيان الذين لايتجاوز عمر الواحد منهم ثمانية عشر عاما والفيل في هذه السن يُعتبَر ولدًا لأن الفيل يكون راشدًا في سن الثلاثين. لكن ما سرُّ هذا السلوك الغريب الذي لايصدر أبدًا عن الأفيال حتى وهي في عمر الولدنة؟

          بالبحث تبين أن هذه الأفيال الطائشة هي مجموعة الأفيال التي أُحضرت إلى المحمية وهي صغيرة بعد أن قتل الصيادون آباءها وأمهاتها في غابات أخرى وبلدان قريبة. لم تترب هذه الأفيال وسط أفراد من الأفيال أكبر منها تعلمها حدود التصرفات والسلوك الحكيم المعروف عن الأفيال. كيف يمكن تهذيب هذه الأفيال وإيقاف جنوحها ومسلكها الطائش المُخرِّب؟

          قامت محمية كروجر بإحضار مجموعة من الأفيال الكبيرة في عمر الأمهات والآباء والجدات وأطلقتها مع الأفيال الطائشة. وكان مدهشًا أن يختفي سلوك الولدنة المدمّر لدى الأفيال الشابة، فوجود الأفيال الكبيرة أسرع بتكوين عائلات من الأفيال يلتزم فيها الجميع بمراعاة حدود التصرف وسلوك الحكمة الذي تشتهر به الأفيال منذ أزمان سحيقة.

 


 

محمد المخزنجي