شَجَرةُ التوتِ

شَجَرةُ التوتِ
        

رسوم: هدى وصفي

          اعتادت شجرةُ التوت التي كَانتْ مِن أقْدمِ الأشجَارِ فِي القريةِ، أنْ ترى أحمد وأصدقاءه وهُم يلعبونَ تحتَها كلَّ يومٍ. ولمْ تنزعجْ يومًا مِنْ أصواتِهم وهُمْ يَمرحونَ حَولهَا، بَلْ كانتْ تشاركهم الفرحَ والمتعةَ وهمْ يتسلقونَ جذعَها أو يتأرجحونَ فوقَ أغصانِها.

          ذاتَ يومٍ، شعرَ الأطفالُ بالمللِ، واقترحَ بعضُهم أن يغيروا مكان اللعبِ، لكنّ أحمد الذي يُحبّ شجرةَ التوتِ كثيرًا، رفضَ أنْ يغيّر المكان ظنًا منه أنهُ لَو فَعَلَ ذلك يكون قد تخلّى عَن صديقتَه القديمةِ.

          غادرَ الأطفالُ المكانَ ما عدا أحمد الذي جلسَ تحتَ شجرةِ التوتِ، وأسند ظهرهُ  على جذعِها ثُمَّ أخذَ يُحدّثها بصوتٍ عالٍ:

          - أرأيتِ يا شجرة التوتِ، لمْ أستطعْ أن أترككِ وحيدةً لألعبَ في مكانٍ آخرٍ، فأنَا أحبّكِ كثيرًا.

          شَعَرَ أحمد بشيءٍ يتحركُ فَوقَ رأسِهِ، فرفَعَ يدَهُ لينفضه بِها، وإذا بِهِ فرعٌ طويلٌ لشجرةِ التوتِ، وقد تدلّى حتّى لامسَ رأسَه وجبينَه. عندها دُهشَ كثيرًا، وزادت دهشتهُ عندما سمعَ شجرةَ التوتِ وهي تحدّثهُ قائلةً:

          - وأنَا أيضًا أحبكَ يا أحمد.

          - وهَلْ تتحدثّينَ مثلنَا؟!

          - نعم... فأنا كائنٌ حيٌّ أشربُ وأتنفسُ وأتألمُ مثلكَ تمامًا.

          فرِحَ أحمدُ كثيرًا وقال: إذن سنصبحُ صديقين ولن نفترقَ إلى الأبدِ.

          قالتْ شجرةُ التوتِ: نحنُ بالفعلِ صديقان. ولكنّنا لنْ نبقَى معًا إلى الأبدِ، فقد كبرتُ ولم أعدْ أشعرُ مثلمًا كنتُ في الماضي، وقدْ آن الأوان لقطعي حتى يستفيدُ الناسُ مِنْ خشبي العتيقِ.

          تألّم أحمد لحديثِ شجرةِ التوتِ فقالَ لها - وهو يبْكي -: لنْ أسمحَ لأحدٍ بأنْ يفعلَ ذلكَ بكِ، أنتِ صديقتي وسوفَ أرافقكِ حتى الموتِ.

          ثم احتضن أحمدُ شجرةَ التوتِ وأخذت دموعُهُ تنهمرُ على جذعِهَا. لكنَّ الشجرةَ الطيبةَ مسحت بأوراقِهَا وجهَ أحمد، ثم قالتْ لهُ:

          - لا تحزن يا أحمد... فإنهم لو قَطعونِي لَنْ أختَفي للأبدِ، سأعودُ إليكَ مِن جديدٍ، تذكرْ هذا كي لا تبتئس، والآن إن كنتُ حقًا تُحبّني، اذهب وشارك أصدقاءَكَ اللعب.

          ذهبَ أحمدُ للعبِ معَ أصدقائِهِ، ولمّا عادَ وجَدَ الشارعَ فارغًا، خاليًا إلا مِن وهج الشمسِ وحرارتها، كانت شجرةُ التوتِ، قَدْ اخْتفتْ مِن المكانِ، ولمْ يعدْ لها أثرٌ على الإطلاقِ. عندها أدْركَ أنّها قد أرسلتْهُ بعيدًا كي لا يتألّم لِفراقِها، لكن أحْمد الذي شَعَر بافْتقادِها كثيرًا، أخَذَ يبْكي محدّثًا نفسه: مُنذُ وُلدتُ وأنا أراهَا تظلّلُ الشارعَ والبيوت.

          وبينما هُوَ يبْكي إذ وَقَعَ نظرهُ على فرعٍ صغيرٍ لشجرةِ توتٍ قَدْ بدأَ للتوِّ في النموِ في نَفْسِ المكانِ الذي كانَتْ فيهِ الشجرةُ الأمُّ. عندها تذكرُ كلمات صديقته الشجرة عندما قالتْ له: «سوفَ أعودُ إليكَ من جديدٍ».

          أسرعَ أحمدُ وأحضرَ الماءَ ثُمّ سقى بِهِ الشجرةَ الصغيرةَ. وصنعَ لها سياجًا يمنعُها مِن أيدي وأقدامِ المارّة. وأخذَ يراقبُها وهي تنْمو مثلمَا فعلت هي عندما كان طفْلاً.

 

 


 

أسماء عواد