العالم يتقدم

العالم يتقدم
        

الدماغ.. قائد «أوركسترا» الجسم

          لو تصوّرت أن كل عضو من أعضاء جسمك يؤدي عمله وهو يعزف على آلة موسيقية، وأن كفاءته في أداء عمله، تتوقف على مدى التنسيق مع الآلات الموسيقية للأعضاء الآخرين، إذن الأمر يحتاج إلى قائد «أوركسترا» للجسم، ليحافظ على إيقاع أعضاء الجسم وانسجامها ويراقب عزفها، إن هذا القائد هو العقل.

          هل تساءلت يومًا ما عن كيفية تذكرك الطريق إلى منزل صديقك؟ وكيف تطرف عيناك دون أن تقصد ذلك؟ ومن أين تأتي الأحلام؟ إن دماغك يقوم بكل هذه الأمور وغيرها الكثير، وفي الحقيقة فإنه يتحكم في كل شيء تفعله حتى وأنت نائم.

          إن الدماغ يؤدي كل هذه المهام  على الرغم من أنه عبارة عن كتلة هلامية رمادية تميل إلى اللون الوردي، ولا يزيد وزنه عن 1.4 كيلوجرام، ويقع الدماغ في صندوق عظمي نطلق عليه «الجمجمة»، عائمًا في سائل خاص حتى لا يؤدي ثقله الذاتي إلى الاحتكاك بعظام الجمجمة. كذلك يحاط الدماغ بثلاثة أغشية لحمايته وهي «الأم الحنون» و«الغشاء العنكبوتي» و«الأم الجافية». ومن أهم أجزاء الدماغ: المخ - المخيخ - جذع المخ - الغدة النخامية - تحت المهاد.

          وفيما يلي أحدث التفسيرات العلمية التي تشرح وظيفة كل منها:

          المخ هو أكبر أجزاء الدماغ، ويمثل حوالي 85 % من وزنه، ولا عجب في ذلك، لأن المخ هو الذي يساعدنا على القيام بكل الأنشطة الإنسانية مثل التفكير والتحدث والتعلّم، بالإضافة إلى التحكم في عضلاتك الإرادية، أي التي تتحرك حسب رغبتك، إذن فأنت لا تستطيع أن تصعد الدرج أو تركل كرة القدم، دون أن تستخدم مخك.

          وأنت تحتاج إلى مخك عندما تحل مسائل الرياضيات أو تتسلى بألعاب الفيديو أو ترسم صورة. وتعيش «ذاكرتك» في داخل مخك، سواء كانت ذاكرتك القصيرة الأجل (ما الذي تناولته من طعام بالأمس)، أو الطويلة الأجل (ما الألعاب التي مارستها في مدينة الملاهي منذ عامين). كذلك يساعدك المخ على أن تدرك الأمور على حقيقتها، مثل عندما تقرر أن تنتهي من واجباتك المدرسية قبل أن تشاهد التلفاز. وتسمى الطبقة الخارجية من المخ - وهي رمادية اللون. أما «قشرة المخ» فهي مكونة من خلايا عصبية، ويبلغ سمكها نحو نصف سنتيمتر، وتوجد بها مراكز الحس. وينقسم المخ إلى نصفين، كل نصف في جانب من الرأس. ويعتقد العلماء أن نصف المخ الأيمن يساعدك على أن تفكر في الأشياء المجردة مثل الموسيقى والألوان والأشكال. أما نصف المخ الأيسر فإنه تحليلي أكثر، ومن ثم فإنه يقدم لك العون عند حل مسائل الرياضيات والمنطق وأثناء التكلم. ويتحكم الجزء الأيمن من المخ في الجانب الأيسر من الجسم، بينما يسيطر الجزء الأيسر من المخ على الجانب الأيمن من الجسم.

          أما الجزء الثاني من الدماغ فهو «المخيخ» ويقع في الجهة الخلفية للمخ. ويبلغ حجم المخيخ نحو ثُمن حجم المخ، ومع ذلك فإن له أهمية بالغة للإنسان، إذ أنه مسئول عن التوازن وتنسيق حركات الجسم والعضلات (أي كيف تعمل عضلاتك معًا). ويرجع الفضل إلى مخيخك، في أنك تستطيع أن تقف منتصبًا، وأن تحافظ على توازنك وأن تتحرك هنا وهناك.

          وثمة جزء آخر من الدماغ هو «جذع المخ»، وعلى الرغم من صغر حجمه النسبي، إلا أن له وظيفة حيوية، إذ أنه أداة الوصل بين المخ و«الحبل الشوكي»، الذي يمتد داخل العمود الفقري، وتنحصر وظيفته في نقل ملايين الرسائل العصبية من أجزاء الجسم المختلفة إلى المخ والعكس. ويقوم جذع المخ بفرز وتصنيف هذه الرسائل العصبية التي يتبادلها المخ وباقي أعضاء الجسم، إنه حقا السكرتير الخاص للمخ! وكذلك فإن جذع المخ مسئول عن العمليات اللاإرادية أي التي لا تستطيع التحكم فيها، ولكنك تحتاج إليها لكي تبقى على قيد الحياة، مثل التنفس وهضم الطعام وضربات القلب، وهي عمليات تتم دون تفكير من الإنسان وتعمل حتى وأنت نائم.

          وفي المخ أيضًا «الغدة النخامية»، وهي صغيرة للغاية، لا يزيد حجمها عن حبة البازلاء! ولكن وظيفتها مهمة جدًا، إذ تقوم بإنتاج وإطلاق «الهرمونات» في الجسم. والهرمونات مواد عضوية ذات فاعلية شديدة، تُفرز في الدم مباشرة، وهي ذات أهمية حيوية، إذ تنظّم نمو الإنسان وتحافظ على التركيب الكيميائي والطبيعي للدم والأنسجة.

          أما الجزء الذي يطلق عليه «تحت المهاد»، فإنه المنظم لدرجة حرارة جسمك، وهو «يعلم» ما هي درجة الحرارة التي يجب أن يكون عليها جسمك (نحو 73 درجة مئوية).

          فإذا كان جسمك بالغ السخونة، فإن «تحت المهاد» يصدر أوامره له بأن يعرق. أما إذا كان جسمك باردًا جدًا، يقوم تحت المهاد، بإصدار تعليماته بأن يرتعش الجسم ومن ثم تشعر بالدفء قليلاً. وكل من العرق والرعشة، محاولات للوصول إلى درجة الحرارة التي يحتاج إليها جسمك.

          ويحتاج المخ إلى آلاف الملايين من الخلايا العصبية، حتى يؤدي وظائفه الحيوية، والخلية العصبية نقطة رمادية من نسيج تبرز منها عدة ألياف قصيرة رمادية، يطلق عليها «الألياف العصبية» وليفة واحدة طويلة بيضاء هي «محور العصب»، وتحاط الخلية العصبية بغشاء رقيق. وتتصل الخلايا العصبية بعضها بعضًا بشبكات عصبية بالغة التعقيد. وتقوم الخلايا العصبية باستقبال الرسائل العصبية من جميع أنحاء الجسم ونقلها إلى الدماغ، مما يؤدي إلى الحفاظ على أداء الوظائف العقلية والجسدية.

 


 

رؤوف وصفي