من مذكراتي.. الوقت لا ينتظر أحدًا

من مذكراتي.. الوقت لا ينتظر أحدًا

ريشة: روني سعيد

ياه.. كم أشعر بالحرية.. تدخل إلى مسامي تنفضها.. تزيح غبار القيد عنها.. ياه.. لا أرى الملعب.. ولا الرفاق ولا المدرسين.. فقط الفضاء يتسع أمامي.. كله.. الشمس.. الهواء يتغلغل في شعري, في محفظتي, في كتبي فيداعب أوراقها التي سجنتني لمدة عام كامل أسيرًا بين دفتيها, أدرس لأقطف ثمرة درسي.. في هذا اليوم.. أنا حر اليوم.. أرمي الكتب خلفي, المحفظة سأهملها.. سأعلن تمرّدي على الجميع, على نداءات أمي.. حازم.. لا تضيع الوقت اليوم.. حازم.. هل أنهيت واجبك? حازم.. انهض يا ولدي.. ستتأخر على صفك.

ياه.. سأنام على راحتي.. وأنهض على راحتي.. وأتناول فطوري على راحتي.. انتهى عامٌ دراسي من عمري.

الدرب يتسع أمامي.. خطواتي تحلم بالاتجاه إلى هناك إلى قريتي.. آه.. كم اشتقت إليها.. إلى جدتي, إلى دروب القرية الضيقة الرائعة جدًا.. إلى منزل جدتي الرائع.. والذي لا يشبه أي منزل.. ترى هل هناك منزل في العالم أجمل من منزل جدتي?! أي شعور غريب يشدّني اليوم إلى ذاك المكان.. المهم أنني حر.. لا مدرسة غدًا ولا بعده.. آه.. اتجه على حريتي صوب السفوح.. صوب البحر, صوب النادي, صوب كل ما أحب.. الرفاق والرحلات.

كم هو رائع أن نشعر بأننا غير مقيدين.

وكم هو رائع أن ندرك أن سعادتنا في كل لحظاتنا هذه التي بين أيدينا, والتي ستفلت غدًا من بين أصابعنا كقطرات الماء.. سأغتنم هذه اللحظات, سأعدّ دقائقها وأسجنها في كفي.. الوقت لا ينتظر أحدًا.. هذه الجملة لن أنساها قالتها لي معلمتي وهي تسلمني دفتر علامات نهاية العام الدراسي.. اعتنم لحظات عمرك يا حازم.. بالعمل.. بالمحبة.. بالخير.. بالسعادة.. فالوقت لا ينتظر أحداً.

اليوم بعد عشرين عامًا.. وأنا أراقب من خلف مقود سيارتي, عائدًا من عملي, فلول التلاميذ تغادر مدارسها في بداية العطلة الصيفية.. تعود إلى ذاكرتي مشاعرهم التي يشعرون بها اليوم.. آه ما أجمل شعورهم وأعظمه في لحظات تحررهم من أسوار المدرسة.. ولكنهم عندما يصبحون في موقفي.. وعمري.. سيدركون حق الإدراك.. أنه كم كانت جميلة سنوات الأَسْرِ هذه بين جدران مدارسنا.. ترى لماذا عندما نبتعد عن الأشياء تزداد وضوحًا أمامنا?! ونزداد تعلّقًا بها! لا أدري?!

 

 


 

إنعام أحمد قدوح