الإسلام حضارة

الإسلام حضارة

نقود العصور الإسلامية

إذا كنا نتعامل الآن بالعملات الورقية العادية, أو العملات الفضية والنحاسية.. إما بالدينار الكويتي, أو الجنيه المصري, أو الريال السعودي.. أو الدرهم المغربي, أو الليرة السورية, وغيرها من العملات العربية, فهل تعلم ـ صديقي العربي الصغير ـ كيف كانت المعاملات التجارية من بيع وشراء, تتم أيام الأجداد? سواء قبل ظهور الإسلام أو في عصر سيدنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثم من تلاه من الخلفاء والملوك والأمراء? هذا ما سنعرفه في السطور القادمة..

البداية: تبادل السلع

لم يعرف الإنسان القديم النقود على الإطلاق, وإنما كانت تعاملاته بين بقية أفراد مجتمعه غاية في البساطة, مما كان يسمح بتبادل السلع بين الناس, فمثلا من كان يعمل في الرعي يقايض جاره الذي يعمل في الزراعة, فيأخذ منه بعضا من الأرز أو الشعير, مقابل إعطائه خروفًا أو شاة, وعرف هذا النظام في موسوعات الاقتصاد والتجارة والتاريخ باسم المقايضة. ولكن مع تعقد الحياة البشرية, واختلاف أنشطة العمل والتجارة لم تعد المقايضة تستطيع تلبية حاجة الناس بالشكل الذي كانت عليه من قبل, لذا ظهر ما يسمى بالسلعة الوسيطة, وكانت في بادئ الأمر الحبوب, وسرعان ما تطورت وصارت عملية المقايضة تتم من خلال المعادن, وبخاصة الفضة, لأن تداول الحبوب بين الناس كسلعة وسيطة لم يعد يفي بأغراضهم لصعوبة التخزين والنقل, فاقتصرت عمليات التبادل على المعادن لسهولة تخزينها وصهرها ووزنها.

وكان العرب قبل ظهور الإسلام يتعاملون بالعملات التي ضربتها الأمم المجاورة لهم, وحتى بعد ظهور الإسلام آثر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ التعامل بنقود البيزنطيين والفرس, وذلك لحكمة منه, إذ إن الدولة الإسلامية لم تكن قويت شوكتها بما يكفي للتعامل بعملة غير تابعة للأمم المجاورة.. وكان المسلمون والعرب يتعاملون بالنقود على سبيل الوزن, فكانت قريش مثلا تزن الفضة بوزن تمسيه الدرهم, وتزن الذهب بوزن تسميه الدينار.

أول عملة إسلامية

وظل التعامل بهذه العملات الأجنبية في عهد أبي بكر الصديق منتهجا بذلك نهج النبي, عليه الصلاة والسلام. أما في عهد عمر بن الخطاب فوضع بصمات الإسلام على العملات, وأضاف ـ رضي الله عنه ـ نقوشا عربية إسلامية على العملات المتداولة سنة 17 هـ مسجلا اسمه عليها بحروف عربية, ليشهد له بذلك أنه أول من ضرب النقود في الإٍسلام. وفي عهد عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ ضرب النقود ونقش عليها عبارة: الله أكبر. وفي عهد معاوية بن أبي سفيان ضربت الدراهم الإسلامية وعليها صورته متقلدا سيفه!

ثم استمرت كل من مصر والشام في استخدام العملة الذهبية البيزنطية المعروفة باسم ( السوليدي ) حتى عام 692م عندما أمر عبد الملك بن مروان بسك الدينار العربي, ليستقل بذلك عن العملة البيزنطية.. وكان عبد الملك يريد أن يصبغ دولته كلها بالصبغة العربية الخالصة في جميع الشئون الإدارية والمالية والفنية, خاصة بعد أن تجمعت كل السلطات في يده, وصارت الحاجة ماسة لوضع نظام اقتصادي موحد لكل الولايات الإسلامية التابعة له, فظهرت أول عملة إسلامية خالصة على الطراز الإسلامي, وهي درهم يحمل نصوصا إسلامية نقشت عليه عبارة: (الله أحد الله الصمد) بالخط الكوفي بعد أن ترك الطراز الساساني وذلك في سنة 79 للهجرة.

ولما وصلت هذه العملات إلى بلاد الروم استشاط الملك جستنيان الثاني غضبا من عبد الملك بن مروان, فأرسل رسالة إليه يطلب منه العودة إلى طراز التثليث (وهو طراز مسيحي الأصل) قائلا: (إنكم أحدثتم في قراطيسكم كتابا نكرهه, فإن تركتموه وإلا أتاكم في الدنانير من ذكر نبيكم بما تكرهونه). وقرر عبد الملك رد التحدي وبعث إلى جستنيان رسالة يعلن فيها رفضه لطلبه بالتخلي عن العملة الإسلامية, فتخلى جستنيان عن موقفه إكبارا وتعظيما للمسلمين قائلا في إحدى المناسبات: إنما أردت أن أغيظه بما كتبت إليه, فأما الآن فلا أفعل لأن ذلك لا يتعامل به أهل الإسلام,

وسلك الحجاج, أحد أتباع عبد الملك بن مروان, مسلك عبدالملك فاتخذ دارا لضرب النقود مثل دور الضرب الفارسية. واستمرت الجهود في سك العملة حتى جاء الوليد بن عبد الملك, الذي نهج طريق والده واستمر الحجاج يعاونه في تعريب النقود وكانت تلك الإصلاحات في المجال الاقتصادي والمالي فاتحة عهد جديد, واجتمع الولاة على الاهتمام بالنواحي المالية, حيث جاء بعد الحجاج ولاة حكموا العراق أمثال: عمر بن هبيرة, وخالد بن عبد الله, ويوسف بن عمر, فاق اهتمامهم بالمسكوكات اهتمام الحجاج فكانت نقودهم أجود أنواع النقود, بل إنهم تشددوا في وزنها ونوعيتها, عملا بقول الله عز وجل وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (من الآية 152, سورة الأنعام ) حتى أن يوسف بن عمر امتحن ذات يوم عيار النقود فوجد درهما ينقص حبة, فضرب كل صانع ألف سوط وكانوا مائة صانع!

غير أن النقود بكل ما تحمل في طياتها من منافع للناس, فإنها تصير نقمة على صاحبها يوم القيامة إذا لم ينفقها فيما يرضي الله ورسوله, حيث يقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ(سورة التوبة الآية 34), ولعل في قول نبينا المصطفى أيضا ما يوضح ذلك: ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره .

وقد عثر العلماء على نقود كثيرة تعود إلى العصور الإسلامية, وسجل المؤرخون أوزانها والعصر الذي تعود إليه. ويزخر العالم العربي بحفظه لهذه النقود في متاحفه وقلاعه وبناياته الأثرية, ففي مصر ـ على سبيل المثال ـ توجد عدة متاحف مثل متحف الأقصر الذي توجد به عملات إسلامية كثيرة, وكذلك في قلعة محمد على, وقلعة قايتباي, وفي المغرب يوجد بمتحف المدينة القديمة نقود أثرية, بالإضافة إلى الأواني الفخارية والآلات الحربية, وفي مدينة أربد يوجد متحف صغير يضم عملات معدنية تدل على تعاقب الفترات الزمنية من الرومان مرورا بالأمويين وانتهاء بالعباسيين, وفي المغرب افتتح منذ عامين متحف للنقود يعتبر مركزا للمسكوكات الإسلامية.

 


 

هيثم خيري

 




دينار أموي ضرب (صنع) سنة 78 هجرية, في عهد عبد الملك بن مروان وعلى وجهه لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وعلى الطرف الدائري للوجه محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله





دينار إسباني ضرب بالأندلس سنة 401 هجرية في عهد سليمان المستعين بن الحكم وعلى وجهه لا إله إلا الله وحده لا شريك له, محمد أبو مسلمة, وعلى الهامش: بسم الله ضرب هذا الدينار سنة إحدى وأربع مائة





دينار أيوبي ضرب بالقاهرة سنة 627 هجرية في عهد الملك الكامل ناصر الدين محمد وبه اسم الملك وسنة ضرب العملة





سلطان عثماني ضرب بسيروز 926 هجرية عهد سليمان الأول بن سليم وعلى ظهره كتب ضارب النصر صاحب العزة والنصر في البر والبحر