الحطّابان

الحطّابان

الحطّابان

رسوم: صلاح بيصار

كان حطّابان يسيران في غابة, فرأيا آثار خطوات الأسد, فقال أحدهما:

- هذه آثار الأسد!

فأجابه الآخر بخوف ورعب:

- فأين نذهب? وماذا علينا أن نفعل?

فقال الأول بهدوء وعزيمة:

- فلنتابع طريقنا بحذر.

ولما توسطا الغابة انصرف كل منهما إلى قطع الحطب وجمعه بنشاط وحيوية.

وحان وقت العودة, فقال الحطاب الأول:

- علينا ألا نعود من الطريق الذي جئنا منه!

فأجابه الحطاب الثاني:

- كيف ولم? إنه طريقنا الدائم المأمون والمختصر والواسع!

فقال الحطاب الأول بحزم:

- أنعود منه وقد رأينا فيه آثار الأسد?

- لكن ليس معنى ذلك أنه سيمر منه ثانية!

- وما أدراك, فلعله يمر أثناء عودته.

- لا أظن أنه سيعود منه, لقد مضى إلى حال سبيله.

فقال الحطاب الأول وهو يحمل حزمة الحطب ويهمّ بالانصراف:

- افعل بنفسك ما تشاء, أما أنا فلن أسلك هذا الطريق, ومشى في ممر ضيق محفوف بالأشواك, يمر بقمة تل مرتفع.

أما الحطاب الثاني فأصرّ على أن يعود من حيث أتى, وما إن وصل إلى الموضع المعلوم, حتى وجد الأسد في انتظاره, فقال له بارتباك:

- أهلاً....أهلاً بك يا عمي الأسد!

فأجابه الأسد باقتضاب:

- أهلاً....

وحاول الحطاب إخفاء ذعره بابتسامة متكلّفة وهو يتساءل:

- وماذا تعمل هنا يا عمي?

فمرر الأسد لسانه على شفتيه, وقال:

- أنا مريض, وعلاجي دماغ رجل من أبناء آدم, وإن العناية الإلهية قادتك إلى طريقي, فلاشك أن في دماغك دوائي الشافي!

ذعر الحطاب, وأدرك خطأه, لكنه تظاهر بالاستسلام, وقال:

- مرحبا, وكلنا يهمنا شفاؤك, وأعتقد أنك ستصدّقني إذا أقسمت لك!

فقال الأسد بلامبالاة:

- أجل.

فقال الحطاب وقد استعاد بعض هدوئه:

- حسنا, أقسم لك أني لا أملك دماغًا, ولو كان لي دماغ لما مررت من طريق رأيت فيه آثارك, وإن الذي يملك دماغًا حقا, هو صديقي الذي يمر من هناك, عبر الممر المرتفع فوق ذلك التل.

التفت الأسد إلى حيث أشار الحطاب, ثم قال وهو يستعد للانطلاق نحو الحطاب الأول:

- حسنا, تابع أنت طريقك.

وحين سمع الحطاب الأول خشخشة الحشائش والأغصان المتكسّرة, ووقع الخطوات المتوثبة, تبين له خطؤه القاتل, حينما أخبر صاحبه بالطريق الذي سيعود منه.وتأكَّد من غَدْر مَنْ ظَنَّه بالصَّديق, والذي لا يستحق هذه الصفة, فالصديقُ لا يغدر بصديقه أبدًا.

 


 

أحمد زيادي