فانتازيا.. أول بينالي للفنانين الصغار
فانتازيا.. أول بينالي للفنانين الصغار
وصوره لكم: يوسف ناروز كثيرون منا يعشقون الفن, تجري الألوان بين أيدينا فتصبح كائنات من عالم الطيور والنبات, ويتحول الطين بين أصابعنا إلى أشكال من دنيا الإنسان والحيوان. ولذلك استمتعت برحلة إلى (فانتازيا 1) وهي خيمة عربية ملونة ضخمة, أعادتني إلى أيام الطفولة, أيام خيمة السيرك, والبهلوانات, والدمى, وقد تحولت هذه الخيمة إلى مسرح أبطاله أطفال في مثل أعماركم يقدمون فنونهم في بينالي الطفل الأول في القاهرة. ورغم أن الكلمة (فانتازيا) أصلها غير عربي, إلا أنها أصبحت كلمة معروفة للكثيرين, ولكنني كنت أتمنى أن تكون الكلمة عربية الجذور, تعبر عن معنى الخيال الذي تعنيه الكلمة الإنجليزية. لكن ذلك لم يمنعني من الاستمتاع بالخيال العربي مائة في المائة. خيال يملأ مساحة 500 متر ويحركه أكثر من 170 طفلا جاءوا من كل مدن مصر بدعوة من أنس الفقي رئيس هيئة قصور الثقافة. وسعدت أيضا أن الدعوة وجهت إلى كبار الفنانين التشكيليين لزيارة فناني المستقبل, والتردد عليهم طوال أيام البينالي الثلاثة لكي يروا كيف يبدع الطفل الصغير فنا تلقائيا بريئا جديدا معبرا عن عالمهم البكر, وهناك قابلنا رسام (العربي الصغير), ورسام الكبار أيضا, الفنان الكبير حلمي التوني الذي رسم لكم مئات الكتب والحكايات, كما تعرفنا إلى الفنان عبد الرحمن نور الدين الذي يرأس تحرير مجلة (قطر الندى) والفنان مودي حكيم الذي يرسم القصائد والقصص ويصمم الكتب والمجلات, والفنان إبراهيم عبد الملاك الفنان الذي يسكن في داخله طفل منذ خمسين عاما. وبالمناسبة فإن صديقكم وصديقي الفنان عبد الملاك هو المشرف العام على هذا البينالي, وقال لي إن مؤسستين تعليميتين في القاهرة أسهمتا معه في إنجاح هذا البينالي: كلية التربية الفنية بالزمالك, وكلية التربية النوعية بالدقي, وأضاف: هذا التجمع أكد صحة تصوراتي عن عبقرية الطفل العربي اللامحدودة رغم الظروف الصعبة التي ينشأ فيها, ولذلك كثيرا ما يفوز أطفال عرب كل عام في أكبر مسابقة في العالم لرسوم الأطفال, تنظم في الهند باسم (شانكرز). الورق والألوان والصلصال والخشب والحجر والجبس والفوم كل هذه خامات وجدها الأطفال بالكميات التي تسمح لكل منهم بأن يقيم معرضا! وقد أقام الأطفال معا ثلاثة أيام مثل أي بينالي للكبار ليبدعوا تصويرا ونحتا وحفرا. الرغبة في الحصول على الجائزة الأولى تصرف المشاركين جميعا عن الإحساس بمن حولهم من الكبار, فيستوي إن كان من يتطلع إلى اللوحة فاروق حسني وزير الثقافة أو مشاهد عابر دفعه الفضول لدخول الخيمة كي يرى ماذا يفعل كل هؤلاء الأطفال في داخلها! ولا يستطيع الفنان الكبير حلمي التوني أن يخفي إعجابه بتلقائية رسوم الأطفال, وعلى الفور يتذكر كراسته التي أصدرتها له دار الشروق مسجلا فيها بالرسم ذكرياته عن الحارة المصرية التي عاش فيها طفولته ومن تعامل معهم من: باعة البطاطا وحمص الشام وعازف البيانولا والحاوي (الساحر) وصاحب الفانوس السحري. تجولت مع الفنان عبد الملاك وأنا أتمنى أن تنتقل هذه المسابقة العالمية إلى الوطن العربي أو أن يتحول البينالي إلى فكرة عربية, وأن يكون في كل بلد عربي بينالي لأصدقائي الفنانين الصغار. الكل استعاد أيام طفولته: الفنان عبد الرحمن نورالدين يقول إنه مشدود بقوة لطفولته ـ رغم أنه مقبل على الستين ـ وإن كان لإبداعه قيمة حقيقية فالسر يكمن في هذا الزاد المتجدد من أيام صباه, لذا فهو يتوحد مع هؤلاء الأطفال وهو يرقبهم من بعيد مطمئنا إلى أن الساحة ستمتلئ بعشرات الفنانين الكبار الذين سيختلفون عن جيله لانفتاحهم على تجارب البشر في العالم, شرقا وغربا. إنهم أطفال الألفية الثالثة! ها هنا صديق فنان صغير من الإسكندرية على البحر المتوسط يرسم قلعة قايتباي, وآخر من العريش في شمال شبه جزيرة سيناء يرسم جمالا وصحراء, وآخر من النوبة في جنوب مصر يرسم نيلا يجري ومركبا شراعيا يشقه, ونخيلا يتمايل على ضفتيه.. حين سألت الفنان إبراهيم عبدالملاك: ما هي الأفكار التي حرصت على أن يخرجها الأطفال على الورق? قال بدهشة: ولمَ نقيد أجنحة الطيران لدى الطفل بفرض أفكارنا عليه?!! فأطفالنا عصافير علينا دائما أن نساعدهم على التحليق من غصن إلى غصن.. من زهرة إلى وردة. وكل ما فعلته في هذا البينالي هو أن اخترت ثلاثة موضوعات: أن يرسم الطفل ما في قلبه, وأن يرسم الطبيعة من حوله كما يحس بها, ويصور الوجوه الباسمة في زمن تندر فيه البسمة. وبعد أربعين عاما من الفن والكتابة حول الفن أشعر بأن نوافذ جديدة تفتح أمامي لأول مرة على جمال الحق وبراءة هؤلاء الأطفال الذين أخذوني إلى ما قبل ثلاثين عاما, إلى أيامي الحلوة. وبالمناسبة كلمة (بينالي) تعني باللغة اللاتينية الحدث الذي يجيء مرة كل عامين. لكن صديقكم عبدالملاك يتمنى أن يصبح هذا البينالي مرتين كل عام, بدلا من أن يكون مرة كل عامين. وتسانده في هذا الاقتراح صديقتنا عزة عبد الحفيظ مدير عام ثقافة الطفل في هيئة قصور الثقافة, وهي تستعد لعمل مجموعة جديدة من البطاقات التي تحمل رسوم أصدقائكم في أول بينالي لرسوم الأطفال. حتى ينتقل الخيال من بيت إلى بيت, مثلما تنتقل الأحلام الصغيرة بين البيت والمدرسة, بين النهر والبحر, بين أحضان الطبيعة وعلبة الألوان.
|