العالم يتقدم

العالم يتقدم

أقمار المشتري.. المثيرة

انتهت حياة المركبة الفضائية (جاليليو) في سبتمبر 2003, فوق كوكب المشتري - عملاق المجموعة الشمسية - بعد أن أتمت مهمتها التي أنجزتها في أربعة عشر عامًا, وخاصة دراسة أهم أقمار المشتري (إيو - يوروبا - جانيميد - كاليستو), واكتشاف أسرارها المثيرة!

إيو:

يعد القمر (إيو) أكثر أجرام المجموعة الشمسية بركانية, وهو قمر صخري ذو شكل مشوَّه, بسبب قوة الجذب الهائلة له من كوكب المشتري الجبار.ولهذا القمر سطح صلب يرتفع وينخفض - في حركة مد وجزر - لمسافة تبلغ نحو مائة متر!

ويتغير وجه القمر (إيو) يوميًا بسبب ثورات وانفجارات من الغازات والحمم فائقة السخونة.وتقذف براكين هذا القمر, كبريتا ساخنا ورمادا بركانيا إلى ارتفاع يصل إلى حوالي مائة وأربعين كيلومترًا!

والقمر (إيو) يتوهج مثل الفرن اللافح ليلا بسبب الغازات المنطلقة من الثورات البركانية, وتصطدم الجسيمات المشحونة من المجال المغناطيسي للمشتري بتلك الغازات, وتجعلها تتقد وتتوهج بألوان تنم عن تكوينها: فثاني أكسيد الكبريت يلمع بلون أبيض والأكسجين بلون أحمر أما المساحات الخضراء فهي على الأرجح أكسجين مختلط بالصوديوم.

يوروبا

خذ تمر الأرض وغطّه بطبقة من الماء سماكتها مائة وستون كيلومترًا, بعضها أو كلها في حالة تجمد! هذا هو (يوروبا), كرة جليدية (مضفّرة) متشققة, أصبحت في بؤرة الاهتمامات والأبحاث العلمية عن الحياة بعيدًا عن كوكب الأرض. ولكي تفهم سبب إعجاب وانبهار العلماء بالقمر (يوروبا), عليك أن تعرف حقيقة واحدة: توجد مياه على هذا القمر - وهي غالبًا في حالة سائلة - وكميتها تزيد عن الموجود في محيطات الأرض كلها! إذ تعمل قوى المد والجزر لجاذبية كوكب المشتري, على توليد حرارة تحفظ الماء الموجود تحت قشرته الجليدية, من التجمد. وتحرّك هذه الحرارة تيارات الحَمْلْ تحت القشرة الجليدية, مما يسبب التشققات في سطح القمر (يوروبا) ويكوّن أشكالاً غريبة ومعقدة من الجليد البارز.

ويدل اللون البني أو الأسمر على وجود مواد ملوثة معدنية نشرها بخار الماء, المتحرر من أسفل القشرة الجليدية. كما تتناثر بللورات الجليد البيضاء والزرقاء عبر سطح (يوروبا), ولعل ذلك راجع إلى قوة اصطدام الكويكبات به, وربما كانت هي التي أتت بالمركبات العضوية إلى هذا القمر. إن الحياة كما نعرفها تحتاج إلى حرارة وماء سائل ومركبات عضوية, ويبدو أن تلك المقومات الثلاثة متوافرة للقمر (يوروبا), فهل هناك نوع ما من الحياة فوقه? هذا ما سوف تكتشفه الرحلات المستقبلية, إلى هذا القمر الغامض.

جانيميد

يعد جانيميد أضخم أقمار المجموعة الشمسية, وهو أكبر من كوكب (عطارد).

وأثناء رصد المركبة الفضائية (جاليليو) - من مسافة تقل عن ألف كيلومتر - لهذا القمر, تمكنت من تحقيق اكتشاف مفاجئ وغير متوقع, هو أن لجانيميد مجالا مغناطيسيا ذاتيا.

إذ أنه حتى الوقت الحاضر, لم يكتشف علماء الفلك - في أي مكان من المجموعة الشمسية - قمرًا له مجال مغناطيسي مستقر ومتولّد داخليا.

ويعتقد أكثر العلماء أن جانيميد أبرد من أن يكون له قلب حديدي منصهر, قادر على توليد مثل هذا المجال المغناطيسي. إلا أن مدار القمر ربما قد تغيّر في الماضي القريب, وبالتالي فإنه تعرض لقوى مد وجزر جبارة, عملت على صهر قلبه الحديدي. ويحتمل أن هذا القلب المنصهر, هو الذي يولد المجال المغناطيسي الحالي.

ولجانيميد نوعان من التضاريس السطحية, مناطق قديمة معتمة ممتلئة بالفوهات, ومناطق أحدث تبدو لامعة يكثر فيها الجليد الذي تفتت وتناثر, وحل محل السطح القديم. وتوجد منطقة تضم كلاً من نوعي التضاريس, تشقها سلسلة قطرية من ثلاث عشرة فوهة, نتجت عن اصطدام كتل قادمة من أحد المذنبّات بزوايا منخفضة. وفي الماضي - الأكثر دفئا - لعل سطح جانيميد شاهد انفجارات براكين, لا تطلق حممًا صخرية بل جليدًا وماء. وربما كانت هذه الانفجارات البركانية, هي التي سببت وجود الأخاديد التي على سطحه.

كاليستو

هناك شيء يتآكل في سطح القمر (كاليستو), أحد أهم أقمار المشتري وأبعدها عنه. لكن الأمر الأكثر غموضًا من ذلك هو ما يوجد تحت سطحه الممتلئ بالفوهات والحفر... إنه محيط من الماء المالح!

وعندما أرسلت مركبة الفضاء جاليليو صور كاليستو إلى مراكز المتابعة فوق الأرض, لاحظ العلماء أن سطحه متآكل وبه عدد قليل من الفوهات التي يقل قطرها عن نصف كيلومتر, كما أنه مغطى بمادة غريبة ملساء تشبه (الزَّغَب), رقيقة وخفيفة كالكريما المخفوقة!

وقد انهار جزء من الحافة العلوية لإحدى الفوهات - الناتجة عن اصطدامات الكوكيبات بسطح القمر (كاليستو) - إثر حدوث انهيار لأجزاء من القمر, وتبلغ المسافة التي تحركتها الأنقاض, حوالي ثلاثة كيلومترات, مما يوحي بأن سطح (كاليستو) ناعم وأملس.

وهناك فوهة متآكلة أقدم عمرًا منها, تتميز بوجود كومة مستديرة على قاعيها, لعلها نشأت عن جليد متدفق أو صاعد إلى أعلى. وربما يؤدي الجليد دورًا رئيسيًا في (تنعيم) سطح القمر (كاليستو). وبعد صعود الجليد وتبدده, فإن كل ما يتبقى هو الأتربة والاتساخات.

لكن لماذا يحدث ذلك على (كاليستو) وليس على (جانيميد) الممتلئ بالفوهات? إنه سؤال آخر يحتاج إلى إرسال بعثة فضائية أخرى لبحث خفاياه.

 


 

رءوف وصفي