قدوتي العلمية

قدوتي العلمية

جيمس واطسون
سر الحياة

رسوم: ممدوح طلعت

إنه منطق مثير للضحك والإعجاب..

ذلك الذي ردده الصغير جيمس واطسون, حين قال للأستاذ في المدرسة:

- اعترف أنني بليد في مادة الجغرافيا.. لكن..

وسكت الصغير, وتَمنَّى لو يعبر عن رأيه كاملا, إنه يحب مواد علمية أخرى ويتمنى لو تخصص فيها, لكنه بالفعل لا يستطيع أن يفهم الكثير من المواد التي تُدَرَّس له.

وذات يوم سمع أباه يتحدث إلى أمه, قائلا:

- ترى هل (جيمي) بالفعل تلميذ بليد?

همهمت الأم التي تحب ابنها كثيرا:

- أتمنى ألا يكون الجواب.. نعم..

كان الاثنان قد تفحصا الدرجات التي حصل عليها صغيرهما (جيمي) وأدركا أنه لن يصلح قط أن يكون تلميذا نجيبا!

فماذا حدث بعد ذلك حتى أصبح (جيمس واطسون) أصغر من حصل على جائزة نوبل في علوم الكيمياء?! لم يكن جيمس قد تعدى الخامسة والثلاثين من العمر... بعد أن غير وجه العالم تماما وهو شاب صغير في الخامسة والعشرين من العمر.

لكن, لماذا تبدأ الحكاية من النهاية..?

لأن البداية لم تكن مدهشة بالمرة, تلميذ صغير, في مدينة أمريكية بعيدة مولود في عام 1928 خائب في دراسته, متخصص في الحصول على أضعف الدرجات..

قال له أبوه مشجعًا: المعارف... مثل لعبة المتاهة... تتداخل معا, ولا تنفصل لأن كلا منها تؤدي إلى الأخرى.. وعمل الصغير بنصيحة أبيه.

وراح يجمع المعلومات الكثيرة من حوله, وكلما أشرق يوم جديد عليه, صارت لديه معلومات أكثر فائدة, إلى أن قال:

- سوف أتخصص في أهم العلوم في الدنيا..

وأعلن الشاب (جيمي) لكل من حوله أنه اكتشف أن الكيمياء هي أصل الحياة وأنها علم الحياة, وأن كل ما حولنا هو عبارة عن تفاعل بين العناصر المختلفة.

وعندما التقى زميله (فرنسيس كريك) في الجامعة, تغيرت حياة الاثنين معا.

استمع إلى صديقه الجديد وهو يحدثه أن الجسم الإنساني هو أكبر, وأهم مصنع في الوجود كله.

جسم الإنسان عبارة عن تفاعلات بين مواد عديدة.

إذن فجسم الإنسان كيمياء.

وهو أيضا مصنع متجدد... سواء فيما يحدث له من تغيرات يومية... أو فيما يتعلق بمسألة التوارث من الآباء إلى الأبناء.

راح الاثنان يقرآن في كيمياء الإنسان وعرفا أن كل جسم حي, عبارة عن وحدات صغيرة للغاية, تتماسك مع بعضها, اسمها (خلايا).

لا, ليست الخلايا هي أصغر وحدة في جسم الكائن الحي.. خاصة الإنسان.

بل إن الخلية تتكون من مكونات صغيرة للغاية, معقدة, وبداخلها كرات صغيرة مسئولة عن نقل صفات الآباء إلى الأبناء.

أي أنه إذا كان الأب أسود اللون, فلابد أن يكون الأبناء لهم نفس لون البشرة وإذا كانت الأم شقراء, فإنها تكون مسئولة عن أبنائها الذين يولدون وقد صار شعر كل منهم أشقر.

هذه الأجزاء الصغيرة الموجودة في كل خلية تسمى (الجين).

وجمع هذا الجين هو (جينات).

وقرأ الصديقان أن أحد العلماء ذكر في كتاب له:

(أن الجينات تشبه البروتين).

والبروتين وحدة كيمياء في الكائن الحي.

قال (كريك):

- اسمع يا صديقي (جيمي).. أنا أعتبر أن العالم (إيفري) هو قدوتي العلمية.. وراح يفسر السبب.

فالعالم (ايفري) اكتشف السر الغامض الذي حير الإنسان آلاف السنين... لماذا يشبه الأبناء والديهم... لذا قال:

- في داخل كل خلية توجد مخازن صغيرة, تختزن في داخلها سوائل ثمينة مسئولة عن كل هذا.

وراح الصديقان (جيمس واطسون) و(كريك) يهتمان بما جاء في هذا البحث الثمين... وقرأه كل منهما أكثر من مرة..

ردد (جيمي):

- اسمع يا صديقي... البحث العلمي لا تأتي نتائجه فقط في المعامل... وقرر الاثنان السفر إلى كل أنحاء الدنيا...

وتقابلا مع علماء الحياة في كل أنحاء العالم... إنه علم متخصص أطلق عليه اسم (الهندسة الوراثية).

وفي كل مرة يلتقي مع صديقه يخبره بما توصل إليه..

قال له:

- اكتشفت أن كل جين لديه القدرة على أن ينقسم إلى قسمين متشابهين.. ومن هنا يأتي الميراث بالصفات نفسها. وأن الأحماض (السوائل الكيميائية) الموجودة في داخل هذا الجين مسئولة أكثر عن هذا الانتقال..وأن لكل حمض مهمة خاصة في هذه المهمة.

وفي صباح يوم الثلاثاء الثاني من أبريل عام 1953م كانت المفاجأة...

حيث صدر العدد الجديد من المجلة العلمية(الطبيعة), وبها البحث الرائع الذي كتبه الصديقان (جيمس واطسون) و(كريك) تحت عنوان: سر الحياة...

وبعد تسع سنوات, أعلنت جائزة نوبل عن فوز الصديقين بجائزة الكيمياء...

وعندما صعد (جيمي) ليتسلم جائزته, اندهش كل الحاضرين.

فلم يتصور أحد أن الفائز الأول صغير إلى هذا الحد...

إنه أصغر الفائزين طوال القرن العشرين.

 


 

محمود قاسم