فتيات القناديل
فتيات القناديل
رسم: مصطفى محمود بركات كانت سارة ذات يومٍ بصحبة أُمِّها في أَحَدِ المتاجرِ عندما رأت عقدًا ذهبيًا يحتوي على لؤلؤةٍ براقةٍ وجَميلة. رغبت سارة بالعقد كثيرًا لكن لم يكن معها مال يكفي لشرائه. وقالت لها أمها إن كانت ترغب به فعليها أن تعتني بدراستها, فتشتريه لها هدية نجاح, أو توفر من مصروفها ليمكن لها الحصول عليه. ظلت سارة أيامًا وليالي تحلم بالعقد الجميل يحيط بعنقها ويزين صدر فستانها, وفي يوم تذكرت القناديل الثلاثة التي تحتفظ بها أمها على الرف في غرفة الجلوس. أسرعت سارة تتأمل القناديل من بعيد وتمنت لو أن أمها وافقت على بيعها لتساعدها في إكمال المبلغ. لكن هيهات, فأمها أخبرتها مرارًا أن هذه القناديلَ هي هدايا والدِها (جد سارة) عندما كانت فتاة صغيرة بعمر سارة, وكان أبوها كثيرًا ما يسافر ويحضر لها أشياء جميلة مازالت تحتفظ بها. رددت سارة في نفسها: خسارة أمي لن توافق على البيع ولو أن جدي علم بذلك لغضب كثيرًا لأن هذه الهدايا تذكره بالبلاد التي رحل إليها عندما كان شابًا, لكن قد يمكنني أن أدبر أمرًا ما, سأبيعها وسأخبرهم أنني لا أعرف شيئًا! أحضرت سارة كرسيًا وأنزلت القناديل من مكانها وأحضرت فوطة لمسحها, وكم كانت دهشتها كبيرة إذ صدر عن القناديل ما يشبه الدخان والضباب وسرعان ما انقشع عن ثلاث فتيات جميلات صغيرات حيين سارة جميعًا بصوت واحد: مرحبًا يا سارة..! لكن سارة لم ترد لأن الدهشة عقدت لسانها, مما دعا الفتيات أن يقلن: لا تخافي يا سارة فنحن صديقات لك, انظري لدينا أشياء جميلة تدهشك. كانت كل فتاة تحمل بيدها عصاة سحرية تلتمع عليها الألوان. قالت الفتاة ذات الشعر الأسود: بإمكاني أن أرسم أي منظر أشاء, كما أن بإمكان أختي ذات الشعر الأحمر أن تلونه بسرعة, أما أختنا الصغيرة ذات الشعر الذهبي فيمكنها أن تجعله حافلاً بالحياة والحركة. هل تريدين أن تلعبي معنا يا سارة? هزت سارة رأسها علامة الموافقة, فأشارت الفتاة ذات الشعر الأسود إلى الجدار بعصاها فظهرت مناظر غير واضحة, لكن سرعان ما لونت الفتاة حمراء الشعر المكان الذي بدا مثل شاطئ البحر يلعب عليه بعض الأطفال وتمخر عبابه المراكب. فرحت سارة بالمنظر الجميل وأخذت تتأمله أشارت الفتاة الذهبية بعصاها فإذا الأمواج تتحرك والمراكب والأطفال يلهون ويصرخون بصوت عال. قالت الفتيات لسارة: هيا شاركيهم اللعب! أسرعت سارة نحو الجدار وأخذت تلعب بالطين والماء مع الأطفال, بل وهدمت البيوت التي بنوها, وهربت بسرعة! استوقف سارة رجلٌ يشوي سمكةً على النار. اقتربت سارة منه بحذر وقالت: هل يمكن لي تذوقها? انتزع الرجل السمكة من (الشواية) وقبل أن يضعها في الطبق التقطتها سارة وهربت, ولم يكن لها منفذ إذْ لم يبق من صورة الجدار الشيء الكثير فألقت نفسها بالمياه وأخذ الرجل يسبح خلفها! ومر مركبٌ شراعي فطلبتْ سارة النجدَة فحملها الملاح إلى مركبهِ, ومن جديد رأت سارة في زاوية المركب علبةً جميلةً ففتحتها في غفلة عن الملاح وكم كانتْ دهشتُها عظيمة إذ رأتْ نفسَ العقدِ الذي رغبتْ به وعندما وضعته على عنقِها رآها الملاح فغضب كثيرًا, وتوجه لينتزعه منها فأسرعت وألقت نفسها في الماء, وأخذت تسبح والملاح يلاحقها بمركبه. وكادت سارة تصل إلى آخر الجدار حين نظرت إلى فتيات القناديل لعلهن يساعدنها. وسرعان ما رسمتْ الفتاة ذات الشعرِ الأسودِ على الباب والجدار الذي يليه شاطئًا يفضي إلى غابةٍ صغيرةٍ وسرعان ما ملأته ذات الشعر الأحمر بالألوان, وأَضْفَتْ الفتاة الذهبية الحركة عليه, ارتمت سارة على الرمال ورمقت الفتيات شاكرة! لكن الفتيات أحببن أن يُداعبنَهَا فرسمت الكبرى أسدًا وسرعان ما زأر, فزعت سارة وأخذت تجري وملك الغابة يلاحقها وسط ضحك فتيات القناديل, حتى وصلت إلى شجرةٍ فتسلقتها وربضتْ في أعلاها. اختفت فتيات القناديل وتركنها معلقة فوق الشجرة والأسد أسفل منها فأخذت سارة تبكي. - انهضي يا سارة, هل كنت تحلمين?! فتحت سارة عينيها فوجدت أمها وجدها بقربها يضحكان, نظرتْ إلى القناديل الثلاثة وارتمت في حضن أمها وهي تردد في نفسها: الحمد لله كان مجردَ حلم, ولن أفكر في بيع قناديل أمي بعد اليوم!
|