فراشة سوداء

فراشة سوداء

رسم: أحمد عز العرب

في حديقة كبيرة, كبيرة, تملؤها فراشات صغيرة, تطير هنا وهناك, تشرق الشمس وكل فراشة تفرد أجنحتها, وتنتقل من وردة لأخرى, ولكل فراشة لون جميل يزداد جمالاً مع ضوء النهار, كل الفراشات ملوّنة ألوانًا زاهية تشبه ألوان الأزهار وأحيانا تنام فراشة على ورقة الوردة فلا نعرف مَن منهما الوردة ومَن منهما الفراشة.

فراشة وحيدة لم تكن تحب النهار لأن لونها لا يضيء في نور الشمس, كانت فراشة سوداء اللون, وكان بصحبتها فراشات بألوان زاهية يسخرون منها لأنها لا تملك ألوانهم, الفراشات الملوّنة لا يشاركونها الطيران, لا يشاركونها اللعب فوق الأزهار, تحاول الاقتراب منهم فيهربون منها (أنت بلا لون جميل يا سوداء) فتظل الفراشة السوداء وحيدة وحزينة.

تذهب لتشكو للفراشة الأم, (الفراشات الملونة لا يحبونني لأنني سوداء) فتحنو عليها الفراشة الأم قائلة (نحن لا نختار ألواننا...وكل الألوان جميلة..لا يهم لونك الأسود عليك أن تحبيه, أن الفراشات زاهية الألوان أحبوا ألوانهم إلى حد الغرور, والغرور يا صغيرتي خطأ كبير).

وفي يوم جديد, طارت الفراشة السوداء وحدها بين الأزهار, تتأمل رحلة الفراشات الملونة من على البعد, فإذا بصائدي الفراشات بشبكاتهم الكبيرة يهجمون على الفراشات الملونة لاصطيادها, أطفال صغار يحبون الاحتفاظ بفراشات ملونة في كراستهم, حاولت الفراشات الهروب بلا جدوى, سقطوا في شبكات الصيد في وقت قليل, ومن على البعد الفراشة السوداء لا تعرف كيف تساعدهم, فهي فراشة واحدة ولن تستطيع مقاومة الصيادين وحدها.

تسرع للفراشة الأم, (ماذا أفعل يا أمي, سقط الفراش الملون في أيدي الصيادين) تشاركها الأم الحزن وتقول (لا نستطيع أن نفعل لهم شيئًا....فقد كانوا سعداء جدًا بألوانهم ولم يهتموا للخطر من حولهم, لعل هذا ثمن الغرور, أحبوا ألوانهم وسخروا منك, وهاهو لونك الأسود ينقذك من شبك الصياد...).

حزنت الفراشة السوداء كثيرا على الفراشات الملونة التي لن تطير بعد الآن حول الأزهار ولكن ما تبقى منهم تعلم ألا يشعر بالزهو بنفسه لأنه يملك ألوانًا كثيرة في أجنحته, وسعى الفراش لصداقة الفراشة السوداء, وفي كل صباح معًا يبدأون رحلة الطيران بين الأزهار, وفي المساء يعودون لحضن الفراشة الأم, كل منهم راضٍ بلونه ومحبٌ لألوان الفراشات الأخرى.

 

 


 

رشا حسين عبدالرازق