الإسلام حضارة

الإسلام حضارة

الإدريسي.. صاحب أشهر خريطة في العالم

بلغ المسلمون في القرن الثاني عشر الميلادي منزلة مرموقة من العلوم, وسجلت الحضارة الإسلامية, حينذاك, أوج نشاطها. وكان علماء الإسلام في كافة التخصصات, من الأعلام الذين ارتبطت أسماؤمهم بالعلوم ارتباطا كبيرا. حتى أن ملك جزيرة صقلية روجرز الثاني حين أراد لبلاده أن تنهض وتلحق بالعالم الإسلامي, وكان ذلك عام 1144م, أرسل إلى الأندلس طلبا لبعض علماء المسلمين حتى يساعدوه في بناء نهضة عمرانية وعلمية حديثة, ومنهم عالم الجغرافيا والرحالة الإسلامي الإدريسي. وهناك جلس الإدريسي ليخطط أول خريطة حديثة للعالم كله يضع فيها كل ما استكشفه في رحلاته وما علمه من زياراته الشخصية بحيث تكون عملا فريدا لم يسبقه إليه أحد.

والاسم الكامل للعالم المسلم الإدريسي هو أبو الحسن محمد بن إدريس الحموي, الحسني, الطالبي, القرطبي, المعروف بالشريف الإدريسي. وبالإضافة لنبوغه في علم الجغرافيا فقد كان من أشهر الرحالة العرب, وكذلك كان ملما بعلوم التاريخ, والأدب, والشعر, وعلم النبات.

ولد الإدريسي في سبته سنة 493 هـ, وتوفي فيها, سنة 560هـ. نشأ وتثقف في قرطبة, بالأندلس, ومن هنا وصف بالقرطبي, فأتقن فيها دراسة الهيئة, والفلسفة, والطب, والنجوم, والجغرافيا, والشعر. وطاف بلداناً كثيرة من الأندلس, والمغرب, والبرتغال, وصولا إلى مصر. وقد يكون عرف سواحل أوربا الغربية من فرنسا وإنجلترا, كما عرف القسطنطينية وسواحل آسيا الصغرى.

قسم الإدريسي العالم إلى سبعة أقاليم وكل إقليم قسمه عشرة أقسام, فصنع بذلك سبعين خريطة, ولم يكتف الإدريسي بما توافر من كتب, بل اعتمد بشكل أساسي على تجاربه الشخصية ورحلاته في أنحاء العالم أولا وما لم يشاهده بنفسه اعتمد فيه على الرحالة المسلمين والمشاهدين الثقات وكان يختبر المسافات على خرائطه ويطبقها بنفسه.

وحين اكتملت الرسوم جمع الإدريسي العالم كله في خريطتين, الأولى على كرة كبيرة من الفضة : وهذه أول مرة في التاريخ تظهر خريطة العالم على شكل كرة مجسمة, أما الخريطة الثانية فكانت تخطيطا دقيقا بالألوان يوضح كروية الأرض, ويضيف إليها خطوط الطول, ودوائر العرض المقوسة, ووضعها في كتابه المشهور (نزهة المشتاق في اختراق الآفاق), الذي ألفه بطلب من ملك صقلية. وقد أصبح هذا الكتاب من أشهر الآثار الجغرافية العربية, أفاد منه الأوربيون معلومات جمة عن بلاد المشرق, كما أفاد منه الشرقيون, ونقلوا خرائطه, وترجموا بعض أقسامه إلى مختلف لغاتهم.

يقول الإدريسي واصفا الأرض: عظيمة الجرم ضخمة الجسم في وزن أربع مائة رطل بالرومي كل رطل مائة واثنا عشر درهما عربيا. واحضر الإدريسي مجموعة من نقاشي الفضة من صناع الأندلس وأمرهم أن يحفروا الخريطة على الكرة الفضية.. وقد جاء في المراجع العربية وصف للطريقة التي اتبعها, فظهرت فيها البلدان بأقطارها ومدنها وريفها وخلجانها ومجاري مياهها ومواقع أنهارها وبحارها وما بين كل بلد منها من الطرقات المطروقة والأميال الممدودة والمسافات المشهودة وكان نقش الخريطة بالألوان وقد طعمت بالعاج على تفصيل ما يخرجه لهم ممثلا في لوح الترسيم فلم يغادروا شيئا إلا سجلوه كما رسمه لهم, وكان الملك وهو على فراش الموت يتعجل رؤيتها كل يوم قبل وفاته وعندما تمت الرسمة احتاج الإدريسي إلى عدة عمال لكي يحملوها إلى الملك الذي فرح بها كثيرا وأمر بوضعها في قاعة العرش وطلب من الإدريسي أن يقيم في بلاده وكافأه بالذهب.

ألف الإدريسي , للملك كتاباً آخر في الجغرافيا سمّاه (روض الأنس ونزهة النفس) أو (كتاب الممالك والمسالك), لم يعرف منه إلا مختصر مخطوط, وذكر للإدريسي كذلك كتاب في المفردات سماه (الجامع لصفات أشتات النبات), كما ذكر له كتاب آخر بعنوان (أنس المهج وروض الفرج).

ويعرف علماء الجغرافيا المشتغلون بالإنترنت اليوم اسم الإدريسي كلما فتحوا أجهزة الحاسوب, لأن برنامج الخرائط العالمي المعتمد لدى الجامعات ومراكز البحث أطلق عليه اسم هذا العالم الإسلامي الكبير. وقد عُرف الإدريسي (493- 560هـ / 1099- 1165م), بذكائه الخارق وتواضعه النادر وثقافته العالية في شتى المعارف كالرياضيات والهندسة والجغرافيا والفلك والطبيعة والسياسة والطب ومنافع الأعشاب وأماكنها وأشكالها.

 


 

هيثم خيري