الهروب الفاشل!

الهروب الفاشل!

رسوم: صلاح بيصار

القرد الذي نحكي حكايته, لا يحب العمل عند صاحبه, حيث كان يأمره بالقيام ببعض الحركات المضحكة في سوق القرية. كان القرد دائم الشكوى لأن صاحبه يعلمه وهو لا يريد أن يتعلم, وكان صديقه الوحيد حمار اسمه (فاهمان) يعتز بصداقته, ويعتقد أنه الأذكى بين زملائه من الحمير.

ذات يوم سمعا عصفورة تتحدث مع صديقتها عن شيء اسمه (الحرية). العصفورة كانت تشعر بالسعادة والفرح لأنها تعيش في حرية. قفز القرد إلى أعلى الشجرة مقتربا من العصفورة, مستفسرا منها عن معنى هذه الكلمة التي تجعلها سعيدة هكذا, فأخبرته أن (الحرية) تمنح الكائن أن يختار حياته بالشكل الذي يريده, ويحلم الحلم الذي يريده, ويعمل العمل الذي يتمناه, ويذهب إلى الأماكن التي يحبها دون التعرض للأذى من الغير, وأضافت العصفورة أن الكائن الذي يحصل على حريته, يستطيع أن يقول (لا) لأي شيء لا يعجبه, وأن يرحب ويقول (نعم) للأشياء التي تسعده.

اندهش القرد, وهبط بسرعة من فوق الشجرة, وقال للحمار (فاهمان): - هل سمعت ما سمعته?

هزّ الحمار (فاهمان) أذنيه قائلا: - طبعا...سمعت وفهمت...ولابد ياصديقي أن نحصل على هذه (الحرية) التي تحدثت عنها العصفورة!

تحمّس القرد موافقا دون تفكير, وكان أول شيء فعلاه هو الهروب فورا, كل من صاحبه.

في الطريق بعد هروبهما, لاحظ القرد أن الحمار (فاهمان) لم يتخلص من (البردعة) التي فوق ظهره, ولا من الحبل المعلق في رقبته والذي كان يجره ويقوده به صاحبه عندما يركبه, فحاول لفت انتباهه, ولكن الحمار (فاهمان) نهق في ثقة قائلا: - لقد قررت الاحتفاظ بهما كتذكار لأيام الشقاء والذل!

مصمص القرد شفتيه ونظر للحمار (فاهمان) في دهشة, ولكنه في النهاية لم يهتم.

من سوء حظ الحمار, أنه بعد ساعات شاهده أحد الصبية من الذين يعملون عند صاحبه, فأسرع خلفه واستطاع الإمساك به بسهولة, واقتاده بالحبل الذي كان لايزال في رقبته, وشاهد القرد ما حدث للحمار (فاهمان), فأسرع بالهرب بعد أن تمتم بصيحات مذعورة, وأسلم ساقيه للريح.

العصفورة التي كانت تتحدث عن (الحرية) مع صديقتها, كانت لاتزال واقفة فوق الشجرة. شاهدت الحمار (فاهمان) باكيا, والصبي يقوده لإعادته إلى صاحبه, فهمست لنفسها: الحمار لم يفرق بين التمرّد...والحرية, وما فعله هو نوع من الفوضى, والتمرد على صاحبه الذي يملكه!

أما الرجل الذي يملك الحمار (فاهمان), فأصابته الدهشة وسأله عن سبب هروبه, فأخبره الحمار أنه كان يريد تحقيق حلمه بالتخلص من العمل الشاق عنده والبحث عن (الحرية) التي سمع عنها من العصفورة.

ضحك صاحب الحمار قائلا: المشكلة يا حماري أنك تعديت بهروبك على حرية غيرك...وحصولك على حريتك بهذه الطريقة يتنافى مع حريتي وملكيتي لك, وكل كائن في الحياة له مساحة من (الحرية) بحيث لا يضر غيره أو يعتدي على حرية غيره!

بكى الحمار وطأطأ رأسه في انكسار, ولم يهز ذيله لأنه لم يفهم ما قاله صاحبه. أما القرد, فاستمر في هروبه ولم يعثر عليه صاحبه, وأغمي عليه من الجوع والتعب, وصادف مرور أحد رجال الشرطة, فشاهده وتم القبض عليه وإيداعه حديقة الحيوانات, وعندما أفاق وجد نفسه في قفص حديدي كبير مع مجموعة من القرود, ولأنه لم ير (الحرية)...ولم يقابلها أثناء هروبه, همس لنفسه: (لقد خدعتني العصفورة بحديثها الحلو عن (الحرية)!!

 


 

مجدي نجيب