من المحميات الطبيعية الزرانيق

من المحميات الطبيعية الزرانيق

خلق الله سبحانه وتعالى الأرض وما عليها من كائنات حية حتى تتعاون ولم يخلقها لكي تتناحر ويفني بعضها بعضا, وإذا كان التعاون مفهوما بين العقلاء من بني البشر, فهو قائم كذلك بين الإنسان وغيره من الكائنات بما فطرها الله عليه من قدرة على خدمة الإنسان.

والأرض التي نعرفها باليابسة, نسير عليها ونبني بيوتنا فوقها, عالم كبير, عمره ـ وفق آخر تقدير لعلماء الجيولوجيا ـ 4600 مليون من السنين. وتعيش فيه ملايين من الكائنات الحية تتخذ من التربة والماء والطبقات السفلى من الغلاف الجوي موطنا لها, وتبلغ أعداد الكائنات النباتية والحيوانية التي يعرف العلم أسماءها وأوصافها حوالى 1.4 مليون من الكائنات, تقوم بأدوار مهمة في تسيير الحياة على الأرض مهما صغر حجمها.

والأرض التي نعرفها لها أسماء علمية أخرى بدأنا نسمع بها في وسائل الإعلام وفي قاعات الدراسة, مثل (البيئة) و(المحيط الحيوي). والحقيقة أن (البيئة) هي (المحيط الحيوي), وهما معا يعنيان الطبقات السفلى من الغلاف الجوى مضافا إليه الطبقات السطحية من الأرض وكذلك من الكتلة المائية التي تمثلها البحار والأنهار والمحيطات. ويمكن أن تكون واحة من واحات الصحراء بما عليها من نباتات وما يعيش فيها من قبائل, أو أرض قرية من القرى التي يعيش أهلها على الزراعة تعاونهم حيوانات الحقل وطيوره.

وقد فطر الله الكائنات جميعا على التعايش, ورغم قوة الحيوان الظاهرة وقدرته على إلحاق الضرر بالإنسان, إلا أن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي بمقدوره أن يصل إيذاؤه لغيره من البشر أو الكائنات الحية إلى درجة الإفناء. ذلك الإفناء قد لا يكون الغرض منه شريرا, بل قد يكون غرضه نبيلا إلا أنه على المدى البعيد يمكن أن يلحق بالإنسان أكبر الضرر. فقد تعرف قبيلة من القبائل أن عشبا ينمو في واديها الصحراوي له فوائد طبية, فتسارع إلى حصاده وبيعه, دون أن تترك منه ما تعودت قطعان أغنامهم على الرعي عليه. هذا الحصاد الجائر إذا تكرر موسما وراء موسم قد يقضي على العشب نفسه فلا يعود للنمو من جديد, كما أنه يحرم حيوانات القبيلة من غذائها مما يعرضها للجوع ومن ثم للهلاك, وهو ما سوف يهدد حياة الإنسان نفسه فى هذه القبيلة.

وبهذا المثال البسيط تعرف كيف يمكن أن يتسبب الإنسان في هلاك أنواع من النبات أو الحيوان, أي يكون السبب في انقراضها.

وقد تنبهت الدول خلال السنوات الخمسين الماضية لخطر اختفاء بعض الأنواع النباتية والحيوانية نتيجة لزحف المدنية على القرى والغابات الطبيعية, فلجأت الى عقد الاتفاقيات التي تضمن التزام جميع الدول بالمحافظة على ما لديها من ثروات طبيعية تتمثل في حيواناتها ونباتاتها, سواء كانت في البر أو في البحر, حفاظا على (التوازن البيئى) من ناحية, وهو الذي يضمن استمرار أي من البيئات التى ذكرناها دون أن يتأثر نوع من الانواع الحية فيها بالضرر أو الانقراض, ومن هنا عرف العالم (المحميات الطبيعية). و(المحمية) هى كل مساحة من الأرض أو المياة الساحلية أو الداخلية تتميز بما تضم من كائنات حية مثل النباتات أو الحيوانات أو الأسماك أو الظواهر الطبيعية ذات القيمة الثقافية أو العلمية أوالسياحية أو الجمالية.

و(الحماية) تعني أن القانون يمنع القيام بأي أعمال قد تؤدي الى تدمير أو إتلاف البيئة الطبيعية التي تعتبر موطنا للنباتات والحيوانات التي تعيش بالمحمية, كما يمنع القانون صيد أو نقل أو إزعاج هذه الحيوانات.

(الحماية) أيضا لا تكون للكائنات الحية فقط, لأن كل بلد فى العالم لديه ثروته من الأماكن التي تصلح مزارا ومتنزها لسكان هذه البلاد أو للسائحين من خارجها, لذلك يمنع القانون اتلاف أو تدمير أى من المظاهرالطبيعية مثل الشعاب المرجانية أو تكوينات الصخور التى تمثل تكوينات جمالية يمكن زيارتها والتمتع بها.

ولما كان الصيد الجائر قد حرم المنطقة العربية من كثير من طيورها وحيواناتها مثل بعض أنواع الأيائل (الغزلان), والكبش الأروي, والنعامة العربية, والعقاب, والحبارى, فقد قامت العديد من الدول العربية بالتوقيع على هذه الاتفاقيات الدولية وقامت بإنشاء المحميات الطبيعية فيها. ففى مصر على سبيل المثال 24 محمية, وفي المملكة العربية السعودية 15 محمية, وفى سلطنة عمان 15 محمية, بالاضافة إلى محميات الكويت والامارات ولبنان والاردن وغيرها من الدول العربية.

أهلا بكم في محمية (الزرانيق)

تقع هذه المحمية في شمال سيناء, وهى تقع على بعد 25 كم غرب مدينة (العريش), وشرق بحيرة البردويل وتشغل مساحة قدرها 250 كيلو مترا مربعا, وأعلنت محمية طبيعية عام 1985. والمحمية تتمتع بمناخ بارد نوعا فى الشتاء اذ تصل درجة الحرارة فيها الى 13 درجة مئوية, بينما تعتدل الحرارة فى صيفها فتكون حوالي 25 درجة مئوية. من هنا تعد المحمية محطة مهمة للتزود بالغذاء والراحة للطيور المائية المهاجرة من أوربا وآسيا فى طريقها الى أفريقيا سعيا وراء الغذاء وهربا من صقيع الشتاء, هذا بالاضافة الى وقوعها على واحد من أهم الممرات الرئيسية للطيور المهاجرة التى تتجمع فيها بأعداد تصل الى مئات الآلاف. ويمثل شهر أغسطس وبداية سبتمبر ذروة هجرة الطيور بالمحمية أثناء فصل الخريف.

الأنواع التى تم تسجيلها تصل الى 270 نوعا معظمها منالطيور المائية, ويعتبر (بط الشرشير الصيفى) من أكثر الطيور عددا حيث وصل الى أكثر من 220 ألف طائر فى أحد المواسم. يزور المحمية أيضا مئات الآلاف من الطيور الأخرى,وأهمها البجع الأبيض, والسمان والبشاروش, والبلشونات المختلفة والنوارس والخطافات البحرية. كما يؤمها الهدهد والمرعى والأبلق.

الا أن (الزرانيق) تضم أنواعا أخرى من الكائنات, فمن الثدييات يعيش بها حوالى 11 نوعا مثل القنفذ وقط الرمال وثعلب الفنك, وهو من أجمل أنواع الثعالب ويتميز بصغر حجمه وكبر أذنيه, وهو مهدد بالانقراض نتيجة تعرضه للصيد الجائر رغبة فى فرائه الناعم (جسمه 40سم وذيله 21سم!).

أما الزواحف فتم تسجيل 22 نوعا منها أهمها السحالي, والثعبان الأقرع, والحرباء, وهي على غير ما يشاع عنها حيوان وديع لا ضرر منه على الإطلاق.

ومن أهم الحيوانات التى تشملها الحماية فى المحمية (السلحفاة المصرية), والتي واجهت فى السنوات الأخيرة أخطارا عديدة قللت من أعدادها بشكل كبير يهدد بانقراضها. وتتمثل تلك الأخطار فى جمع أعداد كبيرة منها من بيئاتها الطبيعية فى الساحل الشمالى للدلتا المصرية بدءا من (صحراء النقب) شرقا وحتى (خليج سرت) فى ليبيا غربا, بغرض الاتجار فيها كحيوانات أليفة اعتاد الناس على اقتنائها فى المنازل اعتقادا منهم أنها تجلب الحظ السعيد , الا أن الخطر الأكبر الذى يهددها هو تدمير بيئتها الطبيعية بازالة النباتات البرية التى تتخذها السلحفاة موطنا وغذاء من أجل زراعة محاصيل الحبوب الشتوية, أو لزحف العمران والمباني.

محمية (الزرانيق) إضافة لدورها فى حماية الكائنات الحية التى تزورها أو تسكنها, تعتبر مزارا للسياح والمصريين من هواة مراقبة الطيور البرية, وقد خصصت ادارة المحمية عددا من الأكشاك توفر لهؤلاء الزوار مكانا مريحا وخفيا أيضا كى لا تنزعج الطيور يمكنهم منه ممارسة هوايتهم. كما أن المحمية تعتبر حقلا لأبحاث دارسى الحياة البرية وفصلا حيا لدروس البيئة لزوارها من طلبة المدارس والجامعات.

دعونا جميعا نبدأ بالانتباه إلى أن كل خلق الله مهما صغر حجمه ثروة طبيعية, علينا أن نحافظ عليها كى تبقى لنا أرضنا, بيئتنا, محيطنا الحيوى متوازنا منتجا مفيدا للجميع.

 

 


 

هدى كامل

 




السمان, زائر شهر سبتمبر





قط الرمال في المحمية





طلاب المدارس يراقبون الطيور





القنفذ الآذاني أحد الكائنات الصحراوية





ثعلب الفنك صغير الحجم كبير الأذنين





السلحفاة المصرية.. المهددة بالانقراض