بيتنا الأرض
بيتنا الأرض
الخَنَّاقة لم تخنق أحدًا أنا شجرة...شجرة من فصيلة (الفيكس) أو التين, وطبعًا المقصود هو التين البري, وليس التين اللذيذ الذي تزرعون أشجاره وتأكلون ثماره أنتم البشر. توجد أنواع كثيرة من أشجار (الفيكس), أعطاها البشر أسماء جميلة, أو على الأقل مقبولة, إلا أنا...سمّاني البشر: (شجرة التين الخنّاق) أو الخنّاقة! لماذا?.... يقولون إنني أشبه الأخطبوط, ولا أكتفي بفروعي الضخمة التي ترتفع وتشق الهواء في كل اتجاه, بل أنتشر على الأرض وأفرش جذوري وأحتل مساحات واسعة, وأصعد على بيوت البشر ومعابدهم إن اعترضت طريقي, بل أحبسها - كما يقولون - بين هذه الجذور, وأخنقها, كما توحي صورتي التي أعتلي فيها أحد معابد البوذيين القديمة في (انكور) بكمبوديا, والتي يقارب عمرها ألف عام. إنني لست أخطبوطا, ولا أحتل أرضا, ولا أخنق بيوتا ولا معابد, ولا أي شيء من أشياء البشر. لقد خلقني الله لأناسب الغابات الواسعة غزيرة المطر في جنوب شرق آسيا, أشرب ما أشاء وأنمو بارتياح فأكبر بسرعة وأصير وارفة تنتشر فروعي الضخمة في السماء, وكلما كثرت فروعي وثقلت لابد أن أمد جذوري على الأرض لأتوازن ولا أميل أو أسقط. لقد كنت - منذ مئات السنين - بذرة, مجرد بذرة صغيرة حملها عصفور أو طوحتها الريح في الهواء, وعندما سقطت لم أجد أرضا, بل وجدت نفسي على سقف هذا (المعبد) الذي أقحمه البشر في الغابة, ماذا أفعل? إنني مخلوقة للحياة, ومتشوقة للنماء, وأهفو أن أكون شجرة, في قلبي أختزن ما يكفيني من غذاء لأنبت, والأمطار الغزيرة ترويني بما يكفي ويفيض...هه...شربت فنموت وشققت قشرة بذرتي التي لانت في غمر المياه وخرجت إلى الهواء والنور نبتة صغيرة تتطلع لأن تكبر وتصير شجرة, أنا مخلوقة لأكون شجرة. أخذت أشرب وأنمو, يصعد مني الجذع وتهبط الجذور, كل شيء بمقدار كما خلقه الله. وجذوري ليست مجرد أنابيب تجلب الماء والغذاء, بل هي في حالتي أداة تثبيت وتوازن أيضا, خاصة أن الماء وفير لا يحتاج إلى الغوص عميقا في الأرض. نمت فروعي, وامتدت جذوري هابطة تبحث عن الأرض لتستقر عليها وتغوص قليلاً فيها. كنت أنا مَن يتحرك, بينما المعبد ساكن, جامد, لم يفسح لي مكانا تهبط منه جذوري, فتدلت الجذور عليه وبدا أنها تحيط به وتحبسه, (تخنقه), كما يقول البشر, وأنا لم أُردْ أن أحبس شيئا, ولا أخنق شيئا. واحكموا أنتم!
|