سبانخ بالحمص

سبانخ بالحمص

رسوم: جميل شفيق

- سبانخ... هل يجب أن نأكل هذه السبانخ مع هذا الحمص مرة كل أسبوع, أنا لا أحب السبانخ يا أمي.

صاح عصام بهذا الكلام وهو بصحبة أمه السيدة دولت في جولتها بالسوق, عندما رآها تتجه ناحية السبانخ لتشتري بعضا منها لغداء اليوم.

قالت السيدة دولت وهي تنظر إليه عاتبة:

- أستغفر الله هل يصح ألا نحب نعمة خلقها الله لطعامنا, السبانخ يا عصام من الخضراوات الغنية بالحديد الذي يقي أجسامنا من الإصابة بمرض فقر الدم.

- حديد!...أنا لن أبني عمارة في معدتي لأتغذى بالحديد الموجود في هذه السبانخ, أنا أكره السبانخ يا أمي, أكرهها.

- أنت تكره السبانخ يا عصام حتى دون أن تتذوقها لتحكم عليها!

- هاه, أتذوقها! لا تحاولي إقناعي بهذه السبانخ فأنا أكرهها وأكره رائحتها.

كان بالقرب منهما سيدتان تشتريان حاجاتهما من الخضار ما إن رأت إحداهما السيدة دولت حتى صاحت:

- السيدة دولت, مقدمة البرنامج التلفزيوني (الوجبات اللذيذة).

ابتسمت السيدة دولت وهزت رأسها بالإيجاب, فأعقبتها السيدة الأخرى في الحال:

- برنامج من أنجح البرامج التي تقدم للمرأة أصول المطبخ والطهي, اسمحي لي أن أعبر لك عن إعجابي بالطبق الأخير الذي قدمته في حلقة الأربعاء 18 ديسمبر, كان طبقا شهيا جدا, أعددته حسب ما وصفت في برنامجك, وأعجب به كل أفراد عائلتي.

وأكملت السيدة الأخرى موجهة كلامها للسيدة دولت:

- حكت لي صديقتي عن هذا الطبق, سأعده أنا الأخرى لأسرتي اليوم.

عاودت السيدة دولت الابتسام في خجل, ثم حيث السيدتين وانصرفت عنهما, وفي طريق عودتها إلى البيت مع عصام قالت له عاتبة:

- يمدح الغرباء طعامي, ولا يعجب به ابني.

- أنا لا أستطيع أن أنكر أن حضرتك طباخة ماهرة في بيتك كما في برنامجك أيضا ويشهد بهذه المهارة جمهور عريض من الناس الذين يتابعون برنامجك المشهور (الوجبات اللذيذة).

- هل هذا هو رأيك حقا?!

- أنا لا أغير رأيي هذا ألا في اليوم الذي تقررين فيه أن تغذينا سبانخ بالحمص, على كل حال أنا سأهرب من هذه السبانخ, لن أتناول غدائي في البيت اليوم, تواعدت مع عمر وسيف, ابني خالتي صفية, أن نتقابل في النادي, بعد أن ننتهي من درس السباحة سأتوجه معهما إلى بيتهما, سآكل اليوم عند خالتي صفية.

قال في نفسه بتمرد وهو يدخل إلى حجرته غاضبا: اليوم هو العيد القومي للسبانخ بالحمص لتصر أمي على أن تطهوها لغدائنا, أعتقد أن هذه السبانخ يزرعها فلاح واحد ويبيعها بائع واحد في السوق, ولا تشتريها إلا أمي, تقول أمي إنها غنية بالحديد, وأنا أرى أنها مع هذا الحمص غنية بأسياخ الحديد الصلب مع الزلط, لو ظللت آكل من سبانخ أمي بهذه الطريقة سأصير (هركليز) أو (سأصبح الرجل الحديدي).

في النادي وعصام يجلس مع عمر وسيف ابني خالته صفية اقتربت منهم سيدة في منتصف العمر وسألت عصام في أدب:

- أنت ابن السيدة دولت, رأيتك معها عدة مرات هنا في النادي, أرجو أن تبلغها رسالة, قل لها طبق الأربعاء 18 ديسمبر كان طبقًا شهيًا جدا, بلغها تحياتي.

غمغم عصام بصوت لم يسمعه سواه:

- ما حكاية طبق الأربعاء 18 ديسمبر هذا!!

وحضرت الخالة صفية حسب الميعاد المتفق عليه, واصطحبت عصام وسيف وعمر معها, كان الجوع قد كاد يفتك بهم, ونادتهم الخالة ليساعدوها في ترتيب السفرة, فدخل عصام المطبخ ليعد السلطة, اخترقت أنفه رائحة الطعام الذي أوشك على الانتهاء, مع رائحة السلطة بعد أن أضاف إليها الملح والخل والليمون والزيت, فشعر بالجوع الشديد, فردد بصوت مسموع:

- أشعر بجوع شديد, رائحة طعامك جميل جدا يا خالتي.

ابتسمت خالته وقالت:

- أعد الطعام, هيا إلى المائدة يا أولاد.

وبسرعة التفوا حول مائدة الطعام.

وجلس عصام على المائدة, وبسرعة وضع الخضار على الأرز وراح يلتهم الطعام بشهية مفتوحة, رفع رأسه عن الطبق ونظر إلى خالته وقال:

- سلمت يداك يا خالتي, طعام شهي.

ولما فرغ طبقه طلب من خالته أن تملأ له الطبق مرة أخرى, ابتلع ما في فمه من طعام, ثم نظر إلى خالته صفية وقال لها:

- خالتي...دعيني أقل لك سرا, كنت حتى دقائق مضت أعتبر أمي أمهر طاهية, ولكن أعتقد أنك تفوقت عليها اليوم بهذا الطبق الشهي.

ضحكت خالته وقالت بفخر:

- ولكن مازالت أمك أكثر مهارة مني يا عصام, لقد أعددت هذا الطبق من برنامجها (الوجبات اللذيذة) الذي أذيع في التلفاز بالأمس الأربعاء 18 ديسمبر.

- ما قصة هذا الطبق! لقد حاز إعجاب كثيرين أكثر من أي طبق آخر, فهذه ثالث مرة اليوم يحدثني أحد عنه, إنه حقا طبق شهي, لم أذق أطعم ولا ألذ منه, سأطلب من أمي أن تعده لنا, لكن ما اسم هذا الطبق الشهي يا خالتي?

- سبانخ بالحمص.

وقف الطعام في حلقه, وجحظت عيناه وهو ينظر إلى خالته, وتجمّد في كرسيه وكأنه تمثال من الحديد الصلب, ومد يده وتناول كوب الماء ورشف منه رشفة, ثم ابتلع ريقه وهو يغمغم:

- حديد بالزلط! حديد بالحمص...!!! حمص بالحديد... أقصد سبانخ بالحمص!!!

 

 


 

ماجد بشارة