لا تكن شَرِهًا

لا تكن شَرِهًا

رسم: سمير عبدالمنعم

هل سمعتم, أعزائي, باسم (أشعب)?

بالتأكيد سمعتم بهذا الاسم الذي تحفل به كتب الأدب العربي.

ولابد أنكم سمعتم أن (أشعب) هذا كان شرهًا, أي يحب الطعام لدرجة كبيرة كبيرة.

لن أتحدث اليوم عن أشعب الآتي من التاريخ, بل عن (أشعب الصغير).

نعم! (أشعب الصغير) الذي يكاد أصدقاؤه ومعارفه وأقاربه ينسون اسمه الحقيقي وهو (سالم) بعد أن رأوا وسمعوا ما أكد لهم أنه بالفعل يستحق اسم (أشعب الصغير).

كان (أشعب الصغير) أنانيًا, تعوّد أن يطلب أحسن الطعام لنفسه. أما أختاه (ناديا) و(سلام), فكانتا تنتقدانه على أنانيته وشراهته بغية إصلاحه, ولكن...دون جدوى.

وقد كانت والدته, أيضًا, مستاءة من عمله هذا, لاسيما عندما يُدْعى معها إلى الحفلات والولائم, فقد كان, بشراهته ونهمه, يخجل والديه وأختيه.

وقد حارت والدته في إصلاحه, إلى أن استشارت, في أحد الأيام, إحدى السيدات العجائز الشهيرات بحكمتهن وذكائهن.

ولم تمض أيام حتى تلقّت العائلة دعوة لتناول الغداء عند تلك العجوز التي كان (أشعب الصغير) يحبّ طعامها كثيرا ويقول عنها إنها صاحبة الأنامل الذهبية في الطبخ.

حوت المائدة ألوانًا من الطعام الشهي المنظر والرائحة, كما أن الحلوى وُضعت في زاوية الطاولة وكانت مما يحب (أشعب الصغير).

أخذ (أشعب الصغير) ينظر إلى الصحون ولعابه يسيل شوقًا لتناول ما بها, متمنيًا لو كانت كلها له, ومتمنيًا, أيضًا, لو لم تكن أختاه ووالداه مدعوين!

وراح يعاين القطع الكبيرة من كل صنف, واستغرب إذ كانت قطعة اللحم الكبيرة غير ناضجة, حيث راح يعلكها ويعلكها دون فائدة, وكادت تقف في حلقه لولا أن أعطته أمه كوب ماء وأبعدت عنه الصحن ليعود فيختار أكبر فطيرة بالجبن, قبل أن يأخذها أحد قبله.

ولكن....

ما هذا?

راح يسعل: إحم...إحم...إحم...

وقال وهو يبعد الصحن عنه:

- إنها فطيرة بالملح لا بالجبن.

ولما اقترحت المضيفة العجوز على ضيفها الشره أن يتذوق السلطة اللذيذة, راح يسكب ويسكب في صحنه حتى لم يبق لأحد ولا قطعة خس أو بندورة واحدة.

وما إن وضع لقمة في فمه حتى صرخ ودموعه تنهمر:

- آه...أخ...أخ... حرّ, وخلّ...آه! أريد ماء.

كادت أم (أشعب الصغير) تضحك, لكنها كانت تنتظر حصول ابنها على الحلوى, حيث لم يكتف صديقنا بما حصل معه, بل اختار, أيضًا أكبر قطعة حلوى.

وكاد يبكي وقت قطعها بالسكين, فإذا هي مجوفة. هنا, اضطر المسكين أن يأكل حلواه التي لم تكن لتشبع عصفورًا على حد قوله.

وعندما عادت العائلة إلى المنزل, بدا (أشعب الصغير) في غاية الحزن والغضب, ولما سألته أخته الكبيرة عن سبب حزنه, أجاب:

- كل ما تناولته كان بشع المذاق مع أنني اخترت الأكبر.

فقالت أخته:

- ربما هذا هو السبب. كان عليك أن تختار ما يناسبك طعما لا حجما.

- هه?

سأل (أشعب الصغير) نفسه, وقال بصوت خفيض:

- آه...بالفعل...كان يجب ألا أكون طماعًا شرها.

ولم يعرف (أشعب الصغير) أن ذلك الغداء كان درسًا دبرته له العجوز الحكيمة بالاتفاق مع أمه.

لكنه, والحق يقال, لم يعد, منذ ذلك اليوم, يفتش عن الطعام الأكبر, وشيئًا فشيئًا نسي الجميع لقبه, وصار الجميع ينادونه باسمه الحقيقي: سالم.

 


 

إيمان بقاعي