الإسلام حضارة

الإسلام حضارة

تاريخ المآذن

تصوير: يوسف ناروز

كان للمسجد في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ثم من خلفه دور مهم للغاية عند المسلمين, فلم يكن يقتصر على الصلاة مثلما هو الحال الآن, ولكن كان يذهب إليه الناس كافة للتشاور والتباحث في أمور دينهم ودنياهم على حد سواء..

وقد ظهرت المساجد عندما تطلب الأمر أن يقام للمسلمين مكان عام يؤدون فيه فريضة الصلاة, ولكن لم يستطع الرسول إقامة المساجد في مكة المكرمة آنذاك, حيث كان في بداية دعوته, ولم يكن قد أسلم معه إلا عدد قليل للغاية, فكان المشركون يعذبون معتنقي دين الإسلام, لذلك لم يقم رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجدا إلا حينما استقر بالمدينة المنورة, وكان هذا المسجد هو قباء, الذي بناه بالحجارة, فكان يحمل الحجر والصخور بيديه الشريفتين ليبني المسجد وليؤسس أول مكان يتجمع فيه المسلمون للصلاة وتباحث أمورهم, وكثيرا ما أتاه رجال من صحابته ليقولوا له: بأبي يا رسول الله, أعطني أكفك, فيقول : (لا, خذ مثله) حتى أسسه, فكان مسجد قباء أول المنشآت الدينية التي بنيت لعامة المسلمين, ثم بنى الرسول صلى الله عليه وسلم مسجد المدينة بمعاونة الصحابة والأنصار وكان مغطى بفروع النخيل, كما استخدمت جذوع النخيل كأعمدة للمسجد, فكان بسيطا للغاية, لا توجد به أي زخارف أو نقوش أو حتى مئذنة أو قبة على الإطلاق.. فكيف كان يؤذن للصلاة في ذلك الوقت?

قبل المآذن

في البداية كان بلال بن رباح رضي الله عنه يصعد فوق أعلى البيوت المجاورة لمسجد الرسول ليؤذن, حتى يسمع جميع الناس الأذان فيحضروا إلى المسجد لأداء فريضة الصلاة. وظل الأمر كذلك في عهد الخلفاء الراشدين, حيث روت امرأة من بني النجار أن بيتها كان أعلى بيت حول المسجد, وكان بلال يؤذن عليه الفجر كل غداة, وروى البعض أن الأذان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على اسطوانة في دار عبد الله بن عمر التي كانت في قبلة المسجد.

وبعد فترة من الوقت شعر الناس أنهم بحاجة إلى سماع الأذان من فوق مكان أكثر ارتفاعا, ليصل صوت المؤذن إلى أكبر رقعة ممكنة من الأرض, لذا ابتدع المسلمون المآذن لسد تلك الحاجة مثلما ابتدعوا المنبر وغيرهما مما أجازه الفقه الإسلامي.

أقدم المآذن

وأقدم مئذنة في تاريخ العمارة الإسلامية لا تزال محافظة على الشكل الأول لها بالرغم من التعديلات التي أجريت عليها, تلك التي أقامها عقبة بن نافع رضي الله عنه ما بين السنتين الخمسين والخامسة والخمسين الهجريتين. وجدد بناءها بشر بن صفوان, ثم تم تجديدها ثانية في العصر العباسي.

عناصر تكوين المئذنة

وبالرغم من تفاوت شكل المآذن وحجمها, إلا أن معظمها يتشابه إلى حد كبير, ولا تختلف مئذنة عن الأخرى إلا في تكوينات بسيطة للغاية مثل اختلاف مسقط كل مئذنة من عصر لآخر, وكانت تتكون المئذنة من القاعدة, وهي القسم الذي يرتفع فوقه جسم المئذنة, والجذع ويطلق عليه أيضا البدن وهو جسم المئذنة الأساسي, والكوة, وهي فتحة صغيرة في الجسم يمر منها الضوء والهواء, والقمرية وهي فتحة إضاءة كاملة الاستدارة, والهلال وهو أعلى جزء في المئذنة كلها ويكون عبارة عن حلية على شكل هلال يزين أعلى المئذنة, وبأسفل الهلال توجد التفاحات, وهي كرات معدنية مصنوعة من النحاس في الأغلب تزين المئذنة أيضا. كما تختلف المآذن في ارتفاعها, فهناك المآذن ذات الأدوار الثلاثة والأربعة والخمسة..

العدل.. أساس الأذان

أما المؤذن نفسه فقد كانت هناك شروط عديدة تحكم عملية اختياره, من أهمها أن يكون رجلا عادلا, ثقة بين الناس, عارفا بأوقات الصلوات الخمس, وأن يتسم بالعفاف وغض البصر كلما صعد إلى أعلى المئذنة ليؤذن للصلاة, وعدم التغني في الأذان أو التطريب والتمطيط.

 


 

هيثم خيري