تامر يصوم لأول مرة

تامر يصوم لأول مرة

رسم: د. فارس قره بيت

لا أعرف ـ أصدقائي ـ منذ متى وأنتم تصومون, ولا أعرف كيف كان صيامكم أول مرة. هل شعرتم بالجوع? هل شعرتم بالعطش? وماذا فعلتم كي لا تجوعوا وتعطشوا? وهل مر اليوم الأول بسلام?

كثير من الصغار لهم ذكريات عن أول صيام يتذكرونها ويحكونها, أيضا, لرفاقهم أو أقاربهم, وفي المستقبل, يتحدثون عنها لأولادهم فأحفادهم إن شاء الله.

واليوم سأخبركم عن أول صيام لصبي لطيف جدا اسمه تامر.

عندما لاحظ تامر أن إخوته (يوسف) و(مها) و(مريم) يبدون في غاية السعادة في شهر رمضان الكريم, خاصة عند إعداد المائدة الشهية في موعد الإفطار, قرر الصيام, وكانت تلك هي المرة الأولى.

لكنه...بعد الظهر, جاعَ...جاعَ... جاع كثيرا.ولم يعطش رغم أنه كان يرى اباريق (التمر هندي), و(قمر الدين), و(الجلاب), و(العرق سوس) على المجلى ليختار كل فرد من أفراد العائلة منها شرابه المفضل عند الإفطار.

أحس أن عصافير بطنه (تزقزق) كما يقال, وبدأت روائح حساء العدس الشهية تصل على أنفه, وبعدها روائح البقدونس المفروم, فالبندورة, فالبصل..أو روائح مكونات (الفتوش) الذي لا بد منه على كل مائدة إفطار.

وخاف تامر أن يقترب من المطبخ, لأن الروائح الشهية فيه تمتزج بمناظر الطعام الشهي الذي بدأت أمه تعده منذ الظهيرة...

لكنه لم يستطع أن يصمد طويلا, فراح يتمشى قرب باب المطبخ, ويسترق نظرات سريعة إلى الداخل. وبدأ لعابه يسيل لما رأى صحن فطائر الجبن المقلية على الطاولة وكان البخار يتصاعد منها وتتصاعد معه رائحتها المميزة.

وقف لحظات عند الباب, ثم ابتسم لأمه الغارقة في إعداد الطعام والتي قالت له:

ـ ثلاث ساعات ويحين موعد الإفطار.

وراح يفكر في نفسه:

ـ ثلاث ساعات.. كل ساعة تساوي ستين دقيقة.... يعني (180) دقيقة..وكل دقيقة تساوي (60) ثانية, يعني (10800)ثانية.

وكاد يصرخ:

ـ يا إلهي...

لكنه جر قدميه بعيدا عن المطبخ, وسارع إلى غرفته. وقف عند النافذة يحاول أن يتسلى, لكن عصافير بطنه ظلت تزقزق وتزقزق.

بعد قليل, أحس بخطوات أمه تتجه على غرفتها, فمد رأسه من باب غرفته ليتأكد أنها هناك, ولما تأكد من ذلك.... تسلل تامر على رءوس أصابعه إلى المطبخ. نظر فوق الطاولة, فإذا بفطائر الجبن الذهبية مازالت في مكانها, ومازال البخار الشهي ينطلق منها.

مد أصابعه الصغيرة, و...تناول فطيرة و...هوب.. التهمها. نظر حوله بتفحص, وقال لنفسه:

ـ يبدو أن يوسف ومها ومريم خارج البيت.

لم تكفه الفطيرة. تناول واحدة أخرى, وهمس بصوت خفيض:

ـ آه... ما أطيبها!

الثالثة أشبعته تماما. أشبعته بحيث صار بإمكانه الانتظار حتى موعد الإفطار. لكن الأم اكتشفت الأمر. نعم! لقد اكتشفت أن صحن الفطائر قد نقص منه ثلاث.

طبعا لم يكن الأمر ليزعج والدة تامر لو حدث خارج شهر رمضان الكريم..لكن...

فكرت الأم: (يبدو أن واحدا من أطفالها قد أفطر دون أن يعلن هذا).

جمعت الأم أولادها وقالت بصوت هادئ:

ـ نحن نصوم لا لنأكل سرًا, ولو اردنا الأكل, يجب ألا نكذب على الله, فهو يرانا.

ـ طبعا يرانا.

قال الأولاد معا بصوت مليء بالحماس, لكن صوت تامر كان منخفضًا.

احست الأم أنه هو من فعل هذا, فإخوته لم يسبق أن أفطروا بهذه الطريقة.رفعت كتفيها وقالت:

ـ حسنا...عندما يأتي المساء, فسوف اقلي فطائر الجبن بحيث تصبح شهية لذيذة طرية.

قال تامر:

ـ لكنها شهية, لذيذة, طرية, وفوق هذا فهي مقلية بشكل جيد يا أمي...

ضحك إخوته كثيرا, وابتسمت الأم قائلة له:

ـ تامر يا حبيبي..إن كنت لا تصبر على الجوع, أجل صومك إلى السنة القادمة.

استنكر تامر:

ـ لا... بل سأصوم وسأصبر.

ومنذ ذلك اليوم, لم يعد تامر يتسلل إلى المطبخ ويفطر سرًا!

 


 

إيمان بقاعي