متحف الفن الإسلامي

متحف الفن الإسلامي

مائة عام مضت...منذ أن افتتح متحف الفن الإسلامي ليفتح بذلك رافدًا من روافد الثقافة والعلم لتاريخ أعظم حضارات الدنيا.

والمتاحف - بصفة عامة - تلعب دورًا حيويًا في تنمية إحساس الإنسان بقيم الجمال وتربي ذوقه وتهذب مشاعره وترتقي به إلى مستوى إنساني راق, وبالإضافة إلى ذلك, فإن متحف الفن الإسلامي بالقاهرة, يعد معهدًا علميًا لدراسة تاريخ الدول الإسلامية التي تعاقبت على حكم مصر, والمتحف بما يضمه من مقتنيات هي أندر المجموعات الإسلامية أصبح أعظم متحف للآثار والفن الإسلامي في العالم.

بدأت قصة إنشاء متحف الفن الإسلامي بالقاهرة كفكرة عام 1869م, حين اقترح المهندس (سالزمان) على الخديو إسماعيل إنشاء متحف للآثار الإسلامية يضم في جنباته التحف والآثار, ولكن الفكرة ظلت معطلة حتى عهد الخديو توفيق عندما صدر مرسوم بتكليف وزارة الأوقاف بتخصيص مكان لذلك المتحف الوليد في عام 1880, وعهد إلى (فرانتز) باشا بإعداده وتنظيمه فاتخذ له من أروقة جامع (الحاكم بأمر الله) مكانًا أطلق عليه اسم (دار الآثار العربية) وظلت الدار كذلك فلم يطرأ على المتحف تطور كبير إلا بعد إنشاء (لجنة حفظ الآثار العربية) عام1881 ودخوله تحت إشرافها, فكان أن أنشئ لها مبنى خاص في صحن جامع الحاكم, ثم طالبت اللجنة الحكومة عام 1899م بإنشاء المبنى الحالي للمتحف بميدان باب الخلق بالقاهرة فاكتمل البناء ونقلت إليه التحف وافتتح في 28 ديسمبر 1903 (9 شوال سنة 1321هـ), وظل إشراف المهندس النمساوي فرانتز باشا على المتحف من عام 1881م إلى عام 1887م ثم أعقبه المهندس (ماكس هرتس) كبير مهندسي حفظ الآثار العربية الذي عين عام 1901م أمينًا عامًا للمتحف وعين الأثري المصري (علي بهجت) أمينًا مساعدًا ثم مديرًا له في يناير 1915م حين ترك ماكس هرتس القاهرة وعاد إلى بلده إنجلترا, واتسع نطاق النشاط في المتحف الإسلامي ليشمل التنقيب عن التراث الفني الإسلامي والمحافظة عليه وإجراء الحفائر في مواقع العواصم الإسلامية في مصر (الفسطاط - العسكر - القطائع) والأماكن التاريخية الأخرى.

وبعد ذلك توالت الاكتشافات التي كان ينشر عنها في المجمع العلمي المصري, وكان لدار الآثار العربية الفضل الأول في إعداد الرواد الأول من علماء الآثار المصريين الذين تخصصوا في الآثار الإسلامية.

وفي عام 1942 ضم (بيت الكريدلية) إلى دار الآثار العربية هدية للدولة من مؤسسه الإنجليزي (جابر أندرسون باشا) وهو مثال لطرز البيوت الإسلامية في العصر التركي.

وحصل المتحف على كثير من محتوياته, بطريق الإهداء, قدمها بعض من أسرة محمد علي وهواة الفن الإسلامي, فقد أهدى الملك فؤاد مجموعة ثمينة من المنسوجات والموازين والأختام, كذلك ضم مجموعات مهداة من الملك فاروق, والأمراء: محمد علي توفيق ويوسف كمال وعمر طوسون وكمال الدين حسين, ويعقوب أرتين باشا.

واستكمالاً لرسالته العلمية, أصدر المتحف سلسلة تعد أهم الأبحاث والدراسات التي نشرت في الفنون الإسلامية المختلفة - حتى يومنا هذا - باللغات الفرنسية والإنجليزية والعربية والإيطالية, لأبرز العلماء في هذا المجال, وعلى رأسهم: جاستون فييت, دافيد ويل بوتي, بهجت باشا, البرت جابرييل, زكي حسن, فيلكس ماسول وجيمس آلان.

أندر مجموعة سجاد في العالم!

يقتني متحف الفن الإسلامي مجموعة رائعة من سجاد إيران وتركيا والأندلس وبلاد القوقاز ومصر.

والسجاد الإيراني هو أكثر منتجات إيران الفنية انتشاراً في العالم, وقد بلغت صناعة السجاد الإيراني عصرها الذهبي خلال القرنين 10و11هـ/ 15و16م عندما كانت تنتج المصانع الشاهانية أروع وأجمل السجاجيد لقصور الشاه والأمراء وما يقدم من هدايا إلى الملوك.

والحق أن جمال السجاد الإيراني وشهرته, ترجع إلى إبداع ألوانه وتناسقها وحسن توزيعها, فضلاً عن متانة الصناعة والعناية بالصوف ونظافته, كما أن الحرير وخيوط الذهب والفضة كانت تدخل في صناعة السجاجيد الشاهانية النفيسة, لتفرش على الأرض أو تعلق على الحائط أو تظل مجلسًا من المجالس, ولعل أعظم السجاد الإيراني شهرة السجاجيد ذات الصرة أو الجامة, وكانت تصنع في تبريز وقاشان.

أما آسيا الصغرى فكانت تعادل إيران فيما أنتجته من السجاد, فهي بيئة صالحة للمراعي الوفيرة, وقد أشار الرحالة (ماركوبولو) في القرن 13م إلى السجاجيد السلجوقية الجميلة بآسيا الصغرى وعدد لنا (قونيه) من بين تلك المراكز المهمة لصناعة السجاد بأيدي السكان من الترك والأرمن واليونان, والمعروف أن المنطقة الرئيسية لنسج السجاد في تركيا هي المنطقة الواقعة في الأناضول على مسافة غير بعيدة من شاطئ البحر المتوسط.

أما المنسوجات ذات الزخارف المطبوعة, فقد ازدهرت صناعتها في عصر المماليك, وقوام زخارفها أشكال هندسية أو رسوم فروع متشابكة أو طيور باللون الأزرق أو الأحمر أو البني أو باللونين الأحمر والأزرق.

الخزف ذو البريق المعدني

في القرن الثالث الهجري/التاسع الميلادي...اخترع الخزافون المسلمون طريقة رسم الزخارف على الخزف بأكاسيد معينة تجعلها ذات بريق معدني.

وزخارف هذا النوع من الخزف في العراق مرسومة ببريق معدني ذي لون واحد أو متعدد الألوان, ومن عناصره الزخرفية فروع نباتية محورة ورسوم مجنحة وأشكال هندسية.

ويمتاز الخزف ذو البريق المعدني الذي عثر عليه في مصر وإيران من هذا العصر بما نراه عليه - فضلاً عن العناصر السابقة - من صور الحيوانات والطيور والرسوم الآدمية.

وفي القاعة 22 بالخزانة 12 تحف من الخزف ذي البريق المعدني الإيراني من بينها صحن عليه رسم شخص يجلس القرفصاء وعلى رأسه قلنسوة مدببة من أعلاها وهو يعزف على قيثار, وفي القاعة 13 بالخزانة 1 تحف مصرية من بينها صحن عليه رسم أوزة سابحة!

وقد تطورت صناعة الخزف ذي البريق المعدني في مصر تطورًا طبيعيًا حتى بلغت أوجها في العصر الفاطمي, ويمتاز هذا النوع بما وصل إليه الخزافون الفاطميون من دقة التعبير في الرسوم الآدمية والاتقان في الزخارف النباتية والكتابية, وقد وصلت إلينا إمضاءات طائفة من الخزافين الفاطميين على تحف من الزخف ذي البريق المعدني, وعلى رأسهم (مسلم بن الدهان) و(سعد) وكان لكل منهما مدرسة في صناعة الخزف لها ذاتيتها ومميزاتها.

وأقبل الخزافون المصريون في عصر المماليك على تقليد الخزف من نوعي البورسيلين والسيلادون المصنوع في بلاد الصين سواء في ألوانه أو فيما يمتاز به من صور الحيوانات والطيور والنباتات القريبة من الطبيعة في شكلها وما فيها من حركة والمرسومة باللونين الأزرق والأخضر على أرضية بيضاء تحت طلاء زجاجي شفاف كما نراها على البورسيلين, أو البارزة والمرسومة بخطوط محزوزة تحت طلاء من لون واحد كما نراها على السيلادون.

تحف معدنية من العصر الفاطمي

في رحلته إلى مصر سنة 1047م, حدثنا الرحالة الشهير (ناصر خسرو) وكذلك المؤرخ(المقريزي) عن ازدهار صناعة التحف المعدنية في العصر الفاطمي.

وعما احتوته قصور خلفائهم من كنوز ونفائس. ولكن النماذج التي وصلت إلينا من الحلي نادرة جدًا, وأهم المعروف منها قرص صغير مستدير من الذهب المزخرف بالمينا وتحف أخرى صغيرة عليها زخارف بالمينا ذات فصوص ممنطقة بالذهب. ومن التحف المعدنية التي وصلت إلينا بعض شماعد وتماثيل من البرونز - أغلبها صغير - كانت تستعمل كمباخر أو صنابير للآنية كما كان بعضها للزينة. وبالقاعة 4 بعض أمثلة من هذه التحف منها أسد ارتفاعه 21 سم وطوله 20 وذنبه مجدول وينتهي على هيئة رأس حيوان وفمه مفتوح, وقد كان جزءًا من فسقية بأحد قصور الفاطميين!

فن الأرابيسك

خصصت القاعة رقم (7) لعرض مجموعة من الأخشاب المخروطة كالمشربيات والنوافذ المكونة من قطع منشورة أو مجمعة أو مخرمة, وبعض المنابر وغير ذلك. كما تحتوي أيضا على تركيبة قبر مستطيلة مصنوعة من الخشب, عليها زخرفة هندسية شغل قشرة وبأعلاها كتابة نسخية بالبارز, وهي باسم سليمان بن الإمام الكاظم وتاريخها في ذي الحجة سنة 837هـ/1433م.

أكبر وأجمل مجموعة مشكاوات...!

وبالمتحف مجموعة مشكاوات, تعرض في القاعة رقم (21) مرتبة حسب تسلسلها التاريخي, ومن أبرزها ثلاث مشكاوات باسم السلطان الناصر حسن بن محمد بن قلاوون, وقد وضعت المشكاوات الثلاث في الخزانة اليسرى بالكهرباء, لكي نتخيل شكل المشكاة وهي مضاءة, ونتصور ما كانت تسبغه على المكان من ضوء هادئ جميل ينبثق من بين زخارفها المتعددة الألوان من زرقاء وبيضاء وصفراء وخضراء وحمراء ووردية اللون.

والمينا هي مادة زجاجية ملونة ترسم بها الزخارف على سطح الإناء ثم تثبت عليه في الفرن, وقد ازدهرت هذه الطريقة لزخرفة الزجاج في مصر وسورية منذ أواخر القرن السابع حتى القرن التاسع الهجري.

 

 


 

عرفة عبده علي