اكتشافات

اكتشافات

رسوم: محمد عفت

في طفولتي كنت أصدق حكايات كثيرة. بعض هذه الحكايات لم يكن صحيحًا بالطبع. لكنني لم أعرف ذلك إلا بعد سنوات وسنوات. فكيف اكتشفت ذلك?

سعيد الحلو

بائع البطاطا, سعيد الحلو, كما كنا نناديه, كان رجلا كثير الابتسام. وكان لديه فرن عجيب. تدخل البطاطا الصلبة فيه, لعدة دقائق, ثم تخرج حلوة, وكأن بها عسلاً! بحثت عن السر, وتساءلت: هل الفرن به سكر, أو أن البطاطا بها سكر, أو أن سعيد الحلو يغمس البطاطا بالسكر قبل أن يبيعها لنا? ثم اكتشفت أن النار تطهو الخضر, وتجعلها تنضج, وتجعلها أيضا سهلة المأكل. وبالتالي نستطيع تذوق الحلاوة بعد أن أصبحت طرية. صحيح أنه اكتشاف حديث بالنسبة لي, لكنني عرفت بعد ذلك أن الإنسان الذي عاش قبل آلاف السنين اكتشف فائدة النار في طهو الطعام.. ويا له من اكتشاف!!

مغمض العينين

كان عم حمزة لديه عربة (كارو) ينقل عليها الأغراض من مكان إلى مكان. مرة تراه ينقل أثاث منزل الأستاذ عزت من حارتنا إلى شارع مجاور. ومرة ينقل الثلاجة الجديدة التي اشترتها السيدة سنية من باب الشارع, عبر الحارة الضيقة التي لا تستطيع سيارة الشركة دخولها, وصولا إلى منزلها. وينقل الخبز من المخبز إلى أهل الحي. وأحيانا كثيرة يأتي بالخضراوات. وفي أيام الأعياد كان يأخذنا خارج الحي إلى مكان الأراجيح, ونحن نمرح ونصرخ في فرح فوق عربته الصغيرة. الغريب أننا كنا لا نعرف لماذا يعصب عيني الحمار, وكيف يرى الحمار الطريق وهو معصوب العينين? واكتشفت بعد سنين طويلة, أن الحمير تعتاد الطرق, وتستطيع أن تذهب للطريق نفسه بعد أن تتعلمه مرة أو اثنتين, والسر أنها تنظر للطريق, أي تنظر للأرض, ولا يهمها أن تنظر أمامها.. ويا له من اكتشاف?!

زراعة السميط (الصمون)

كثيرا ما ظننت أن عم حليم بائع السميط (الصمون), الذي ترونه في الصورة, رجل ساحر. فقد كان السميط الذي يبيعه لذيذا جدا. وكنت أحاول أن أكتشف كيف يزرعه? وما هو شكل الشجر الذي يثمر سميطا? ولكنني اكتشفت, منذ أولى سنوات الدراسة أن السميط لا يزرع, بل يصنع, وأن الساحر ليس عم حليم وحده, بل الفلاح الذي زرع القمح, وحصده, والصانع الذي طحن القمح ليصنع الدقيق, والخباز الذي عجن الدقيق وصنع منه هذا السميط.

القرداتي

حين كان يمر أمام بيتنا (القرداتي), أي الرجل الذي كان يجعل القرد يرقص أمامنا, ويقلد حركاتنا, ويلتهم الموز بشراهة, ويجري خلفنا, وهو يرتدي ـ أو على الأصح والرجل قد ألبسه ـ زيًّا مثل البشر, كنت أظن أن هذا الرجل وحده قادر على فهم لغة القرود. وكم تمنيت أن أكبر, وأدرس في المدرسة نفسها التي درس بها حتى أستطيع أن أخاطب القرد كي يطيعني! واكتشفت ـ بعد سنوات ـ وحين قرأت بعض الموسوعات العلمية المتخصصة في علوم الحيوان, أن القرد له مخ مثلنا, صحيح أنه أصغر حجمًا من مخنا, ولكن كان يكفي لكي يقلد مدربه, فقط على المدرب أن يعده بالطعام, وعدم العقاب حتى يطيعه. يا له من اكتشاف!!

إنها اكتشافاتي الصغيرة, التي عرفتها بالقراءة, والدراسة, والبرامج العلمية, وخبرة السنوات, وأعتقد أن لكل منا اكتشافاته المماثلة. فما هي اكتشافاتكم?!

 


 

أميرة غريب