طفولة النبي صلى الله عليه وسلم

طفولة النبي صلى الله عليه وسلم

رسم: عبدالعزيز تاعب

ولد الرسول صلى الله عليه وسلم يتيمًا, فقد توفي أبوه قبل ولادته, ثم ماتت أمه وهو طفل صغير لم يتجاوز السادسة من عمره.

نشأ صلى الله عليه وسلم خارج مكة, إذ كان من عادة العرب أن يلتمسوا المرضعات لأطفالهم في البادية, فأخذته مرضعته حليمة السعدية إلى بادية بني سعد, وكان لحضانة السيدة حليمة لهذا الطفل السعيد, على الرغم من يتمه, أثر طيب حميد على أسرتها, إذ اتسع رزقها وطاب حالها, حتى قال لها زوجها صباح اليوم التالي لحضانتها له: تعلمين والله يا حليمة لقد أخذت نسمة مباركة, فقالت: والله إني لأرجو ذلك.

وظل الطفل المبارك في بني سعد حتى بلغ من عمره خمس سنين, رجع بعدها إلى مكة ليعيش في كنف أمه آمنة بنت وهب سنة واحدة, ماتت بعدها وهي في زيارة لأخواله في بني النجار بيثرب, فيحتضنه جده عبد المطلب الذي أحاطه بحبه وحنانه ما أنساه مرارة اليتم, ويذكر الرواة من مظاهر هذا الحب والحنان أن عبدالمطلب كان له فراش في ظل الكعبة وكان بنوه يجلسون حول فراشه, ولا يجرؤ أحد أن يجلس عليه إجلالا واحتراما, وكان محمد يأتي وهو غلام ليجلس عليه, فأخذه أعمامه ليؤخروه عن فراش جده, فيقول عبدالمطلب حين يرى ذلك منهم: دعوا ابني فوالله إن له لشأنًا, ويجلسه معه على فراشه وهو يربت على ظهره ويمسح على رأسه بيده.

لكن القدر لم يمهل عبدالمطلب بعد وفاة آمنة (أم النبي صلى الله عليه وسلم) سوى عامين, إذ أدركته المنية, لينتقل الغلام المبارك ليعيش مع عمه أبي طالب بن عبدالمطلب, وكان خير مثال للعمومة الكريمة والأبوة الرحيمة.

وقد سافر محمد مع عمه وهو صبي إلى الشام فقابله أثناء ذلك راهب نصراني يقال له بحيرى أخذ يسأل محمدا عن كثير من أحواله, فوجد هذا الراهب أن أوصاف هذا الغلام هي نفسها أوصاف النبي الذي بشرت به التوراة والإنجيل, وحينئذ نصح عمه أبا طالب بألا يوغل بابن أخيه في بلاد الشام خوفا عليه من أذى اليهود وشرهم إذا رأوا فيه تلك العلامات التي تدل على أنه النبي المنتظر.

هكذا ولد الرسول الكريم وهكذا نشأ بين أمه وجده وعمه, وكانت علامات النبوة تحل أينما حل, وعوضه الله بحب من كفلوه بعد أبويه, فنشأ نشأة طيبة, كريمة, فاضلة, وشب على الأخلاق الحميدة, حتى قال فيه ربه: وإنك لعلى خلق عظيم , وقالت السيدة عائشة لما سئلت عن أخلاقه: إنه قرآن يمشي على الأرض.

وقد تجلى حب الرسول صلى الله عليه وسلم للأطفال في شواهد منها:

1 - أحب ولده إبراهيم حبا عظيما, وتعلق به تعلقا شديدا, لكن القدر لم يمهله ليتمتع بهذا الحب, إذ قُبض إبراهيم وعمره ستة عشر شهرًا, فحزن عليه حزنًا شديا وبكى على فراقه, فلما قيل له: أنت يارسول الله?! قال ما معناه: إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون.

2 - حبه الشديد لحفيديه الحسن والحسين, حتى كان يجالسهما كثيرًا ويضاحكهما ويحنو عليهما, حتى كان يطيل السجود في صلاته لما كان أحدهما يعتلي ظهره وهو ساجد, خوفًا عليه من إصابته بأذى لو قام من سجوده وهو على ظهره.

3 - كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اعتاد أن يصادف في طريقه إلى المسجد صبيًا يهوديًا يلعب في الطريق, فيداعبه النبي صلى الله عليه وسلم, حتى أن الصبي قد اعتاد تلك المداعبات, فراح ينتظر مجيء الرسول ليجري نحوه, وظل الأمر على ذلك عدة أيام حتى كان يوم خرج فيه الرسول إلى المسجد فلم ير الصبي في طريقه وكذلك في إيابه, فلما سأل عنه عرف بمرضه فذهب إلى بيت أبيه ليعوده, ففرح به أهل الصبي وكانت فرحة الصبي بزيارة الرسول صلى الله عليه وسلم لا توصف, وكذلك سعادة أبيه الذي ترك النبي مع ولده وخرج ليحضر شيئًا لضيافته, ولما رجع سمع النبي يقول للصبي: قل يا فتى لا إله إلا الله محمد رسول الله, فصمت الصبي, فقال له أبوه: أطع صاحبك يا بني وقل ما أمرك به, فنطق الصبي - ويدعى بكر بن شداخ الليثي - بالشهادتين وانضم إلى قافلة الصحابة الأبرار الذين قال فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم: أصحابي أصحابي بأيهم اقتديتم اهتديتم .

4 - قوله صلى الله عليه وسلم وهو يشير إلى اصبعيه - الوسطى والسبابة - أنا وكافل اليتيم كهاتين.. (أي أن كافل اليتيم يرافق النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة لا يفارقه).

5 - بكاؤه صلى الله عليه وسلم لما سمع بوأد البنات الوليدات في الجاهلية.

أرأيت يا عزيزي الصغير كم كان يحب رسولنا الكريم الأطفال? لتعرف حقًا أنه لرءوف رحيم.

 


 

حسن نور