مملكة الألوان

مملكة الألوان

رسم: جميل شفيق

بين أسوار الطبيعة وحقول المزارعين وعلى ضفاف النهر الصغير تقع مملكة الألوان, مدينة تعيش فيها جميع الألوان كإخوة متحابين, وفي يوم من الأيام اختلفت هذه الألوان حول أفضليتها ومن يستحق منها أن يتولى منصب الزعامة في مملكة الألوان, فاتفقوا على تخصيص يوم يتمايز فيه كل لون ويفاخر بفصيلته وبصفاته, على أن تحكم الطبيعة الأم بينهم وتتولى اختيار الأنسب, تأهبت جميع الألوان واستعدت وجاء في مقدمتها اللون الأحمر ليقدم نفسه قائلا: أنا أول لون عرفته البشرية, لون الطاقة والحيوية والعواطف, أرمز إلى النار وأعتبر من الألوان الحارة, ومن الناحية العلمية فأنا اللون الموحي للمخ. لذلك يحق لي أن أفاخر بفصيلتي وقوتي, وما إن أنهى حديثه حتى جاء الدور على اللون الأزرق فقال: أنا لون السماء الصافية ولون الطهارة والنبل والهدوء, أعد من الألوان الباردة وكثيرا ما أساعد على الراحة والاسترخاء وأهدئ الأعصاب, لذا تجدونني في المشافي لأخفف الضغط والقلق, ألا تعتقدون أنني أستحق هذا المنصب? وفجأة قطع اللون البرتقالي الحديث قائلا بقوة وجرأة: أما أنا فلون النشاط والإشراق والصحة, ألق نظرة علي وسأفتح شهيتك للطعام, أعطي إحساسا بالدفء والتعاون, أنا الأفضل بينكم والأنسب والمتميز, واعذروني على كبريائي فالداكن مني رمز للغرور, ومن بين الألوان جاء صوت هادئ حكيم وتحدث فقال: أنا الأخضر رمز الربيع والنبات والطبيعة, أحب السلام والتوازن, متسامح وفوائدي كثيرة, أريح النظر, وأتغلب على الاضطرابات, أتعلمون أنني رمز الإسلام وأن القرآن أشار بأني لون أهل الجنة, وقد ذكر أخيرا أني مناسب جدا لغرف الأطفال لما أبعثه من طمأنينة, وما إن سكت حتى ظهر متنافس آخر ذو نبرة واثقة, والتفتت جميع الألوان إلى هذا الصوت الحاد فأكمل بتحد: أنا لون الشمس, وراية الحكمة والذكاء والعقل والصلابة, أنا الأصفر, اللون المثير لعمل الذاكرة, فإن أردت تذكر شيء ما عليك سوى الكتابة على ورقة صفراء, والبديل الجيد لضوء الشمس إن كانت غرفتك معزولة عن نورها, أتحسبون أن هناك من ينافسني? وبخجل وتواضع تحدث الوردي فقال: أنا الجمال والرقة, ورمز للدلال والرومانسية, لذا تجدونني قريبًا من الفتيات ومحببًا لديهن وكثيرات يفضلنني عن بقية الألوان. وتقدم بعده البنفسجي بهدوء كما هو معروف عنه وألقى تحيته وأضاف: أنا الشرف, أنا الخيال والإحساس, أشير إلى الفخامة والكبرياء, وأعطي شعورا ملكيا رائعا كما أني أبعث الأمان والسكينة, وفجأة ظهر من بين الألوان شعاع براق وبخطى ثابتة أقبل الأبيض بحلته الناصعة قائلا: أنا البراءة والصفاء, أشمل كل ألوان الطيف, مسالم وأعبر عن الاستقامة والخير والعدل, لطيف وأرمز إلى السعادة والمرح عند البعض. ومن دون مقدمات وبأسلوب مسيطر عرّف الأسود عن نفسه وصمتت الألوان فقال: أنا سيد الألوان, الخارق الذي يمتصكم جميعا, أعكس الجرأة والقوة, لا أنتمي إلى ألوان الطيف ولست خاضعا لأي منكم, أحب الزعامة وأرمز إلى الفخامة والأناقة والأنسب من بينكم لأتولى هذا المنصب المرموق, وأخيرا جاء الدور على الطبيعة الأم, وبقيت جميع الألوان تنتظر بشوق لتعلن عن أفضلهم, وبعد تفكير عميق تحدثت الطبيعة بصوتها الحنون الدافئ وقالت: لا يوجد مقياس للتفاضل بينكم, وليس لأحدكم الحق بتولي هذا المنصب فكلكم في مستوى واحد تجمعكم الأخوة والمحبة, ودعوا هذا الكبرياء جانبا, فأنا أشملكم جميعا ولا أستطيع التخلي عن أي منكم ولن يعود هذا الخلاف بينكم إلا باختلال في توازني, أما الآن عودوا إلى منازلكم فعلب الألوان أصبحت فارغة وهناك من يحتاج إليكم. وعمل الجميع بنصيحة الطبيعة الأم وشكروها ووعدوها بألا يختلفوا مجددًا.

 

 


 

بدرية عادل السالم