100 عام من عمر الدبة تيدي

100 عام من عمر الدبة تيدي

صوره: حسين لاري

إنه متحف صغير ولكنه مدهش. لم أر مثله في أي مكان في العالم. وهو مثل كل المتاحف يحكي جانبًا من تاريخ العالم, يأخذ جزءًا صغيرًا من هذا التاريخ الطويل, ويبرزه ويقدم كل ما لديه من مقتنيات نادرة لا توجد في مكان آخر, وهذا المتحف يفعل ذلك أيضا ولكن بواسطة دببة يعرفها الجميع, ويمتلكها الملايين من الأطفال في كل أنحاء العالم.

بطلة هذا المتحف هي الدبة (تيدي), من المؤكد أن البعض منكم يمتلك واحدة منها, فهي تباع تقريبا في كل متاجر الألعاب, ولكنها هنا هي بطلة المتحف الموجود باسمها في جزيرة (جاجو) الصغيرة التابعة لكوريا الجنوبية وهي تروي تاريخ العالم على طريقتها, إنها دبة حقًا ولكنها هنا تمثل أدوار البشر, وهي مجرد دمية, ولكنها قادرة على التعبير عن كل المواقف.

فهي لا تتحدث فقط وهي تدخل العصر الحديث, أو تهبط على سطح القمر, أو تخوض أهوال الحروب, ولكنها تقوم أيضا بتمثيل الشخصيات التاريخية المعروفة مثل (غاندي), (شارلي شابلن), بل وتقوم بعزف الموسيقى مثل فريق الخنافس..

الصياد والدبة الصغيرة

ولكن ما قصة الدبة تيدي هذه?

منذ حوالي 100عام ظهرت دمية تمثل دبة صغيرة في واجهات أحد المحلات التي تبيع الحلوى في حي بروكلين بمدينة نيويورك. وكان يملك هذا المحل زوجان هما موريس وروز ميتشوم, وكانا هما اللذين قاما بصنع هذه الدمية يدويًا وأطلقا عليه اسم (تيدي) تكريما للرئيس الأمريكي تيودور روزفلت الذي كان أصدقاؤه يدللونه باسم مختصر هو (تيدي).

بدأت قصة تيدي في مكان غريب داخل إحدى غابات أمريكا في نوفمبر عام 1902 وكان الرئيس الأمريكي روزفلت يقوم بإحدى رحلات الصيد, فقد كان يهوى صيد الدببة, وهذه متعته الوحيدة, ولكن الحظ السيئ لاحقه في هذا اليوم, فلم يصادف دبا واحدا, ولم يكن أمامه إلا أن يعود خائبًا.

وفجأة أمسك بعض مساعديه بدب صغير وحيد, كان ضائعًا يبحث عن أمه, وقام مساعد الرئيس بربط الدب إلى الشجرة وهو يهتف به:

- هيا يا سيدي الرئيس... أطلق عليه النار.

ولكن روزفلت الذي كان صيادًا حقيقيًا, قال:

- هذا ليس صيدًا.. هذا قتل.. أطلقوا الدب.

وأفلت الدب الصغير من قبضة المساعد المذهول.

وانتشرت القصة بعد ذلك. وسمع بها الرسام كليفور باريمان الذي كان يعمل في صحيفة الواشنطن بوست وهي واحدة من كبريات الصحف الأمريكية. وقرر أن يرسم هذه الواقعة كما تخيلها من خلال الكلمات. رسم الرئيس روزفلت بنظارته وقبعة الصيد, وهو ينزل البندقية إلى الأرض رافضا أن يقتل الدب. ورسم الدب الصغير حائرًا وحزينًا بعينين مستديرتين وأذنين كبيرتين. ونشر الرسم في الصحيفة يوم 16 نوفمبر عام 1902.

وحين رأت روز ميتشوم صاحبة محل الحلوى هذا الرسم أعجبها كثيرًا وقررت أن تصنع دبا يشبهه, و لم تكن هناك ماكينات تصنع هذا النوع من الألعاب, لذا فقد جمعت قطعًا من قماش المخمل القديم وخاطتها معا وأطلقت عليها (تيدي بير) أو الدبة تيدي.

قرن من الزمن

يحكي المتحف إذن حكاية مائة عام من تاريخ البشرية. نفس الفترة التي عاشتها تيدي منذ أن صنعتها (روز) بائعة الحلوى, قرن كامل بكل ما فيه مخترعات وحروب وشخصيات وأحداث كبرى, فعلى سبيل المثال نرى الدبة تيدي وهي تركب أول سيارة قام بصناعتها فورد عام 1908. ونرى تيدي وهي تقوم بدور شارلي شابلن في فيلم العصور الحديثة عام 1933, ونراها أيضا وسط ركاب السفينة (تيتانيك) التي غرقت عام 1912. بل ونراها وهي تقوم بدور (نيل ارمسترونج) وهو يهبط على سطح القمر للمرة الأولى في التاريخ عام 1969, نراها في الحروب, وهي تغني مع فريق البيتلز في الستينيات, وهي في فيتنام, وأخيرًا وهي تشارك في هدم سور برلين وتحتفل بوحدة ألمانيا عام 1989, تاريخ طويل والصغيرة تيدي دائما هي البطلة.

إنها لم تعد دبة عادية, فالأطفال الآن يشاركون في صنعها حين يشترونها فارغة ويقومون بحشوها, ويشاركون في تحديد ملامحها حين يختارون لها الملابس المختلفة, والبيت الذي تقيم فيه, وأثاث الغرفة التي تسكن فيها, لقد أصبحت كأنها فرد من الأسرة. ويضم المتحف مجموعة من أشهر الدببة التي أنتجتها المصانع في كل أنحاء العالم. ومنها العديد من الدببة الباهظة الثمن. وقد أقيم ذات مرة في إمارة موناكو الصغيرة مزاد من أجل الأعمال الخيرية بيعت فيه إحدى الدببة بمبلغ 391 ألف دولار أمريكي وخصص المبلغ من أجل حماية الأطفال المشردين في العالم.

المرأة الدبة

ولكن لماذا يهتم أهل كوريا بالدبة تيدي لهذه الدرجة?

تقول الأسطورة الكورية القديمة إنه كان في قديم الزمان يعيش نمر ودبة, وكانا غير راضيين عن حالهما, فقد كانا يودان أن يتحولا إلى اثنين من البشر, لذا فقد أخذا يصليان ويصليان لابن السماء حتى عطف عليهما وقرر أن يقابلها. وأعطى كلاً منهما عدة حزم من (الثوم) وطلب منهما أن يدخلا إلى كهف مظلم وأن يبقيا داخل هذا الكهف لمدة 100 يوم كاملة, في الظلام بعيدًا عن الشمس, لا يأكلان سوى الثوم, ويا له من طعم حاد ورائحة مزعجة, لم يطق النمر صبرًا على ذلك, فهرب من الكهف بعد عشرين يوما. ولكن الدبة صبرت, أكلت كل الثوم وقضت كل المدة.

وفي النهاية عطف عليها ابن السماء وحولها إلى فتاة جميلة.

ولكن سعادة الفتاة لم تدم طويلا, لقد أحست بالوحدة الشديدة, فلا أحد يتحدث إليها أو يلعب معها, ومرة أخرى أخذت تدعو لابن السماء لأن يرسل لها أحدا يؤنس وحدتها, وعطف عليها وتحول هو أيضا إلى إنسان وتزوج منها وأنجب منها العديد من الأبناء ومن هؤلاء الأبناء جاء الشعب الكوري.

هل عرفتم إذن لماذا اهتمت كوريا ببناء هذا المتحف عن الدبة تيدي?

أتمنى أن تكونوا قد استمتعتم بهذه الزيارة.

 

 


 

محمد المنسي قنديل