بيتنا الأرض

بيتنا الأرض

السلمون يصعد الدرج

قطع السرب الكبير من أسماك السلمون 500 كيلومتر في مياه البحر المالحة حتى وصل إلى مصب النهر حيث المياه العذبة. المياه التي رأى فيها النور لأول مرة عندما خرج من البيض إلى الحياة.

إنه يسبح ضد التيار متجها إلى أعالي النهر, يبحث عن الأماكن التي شهدت مولده ليضع بيضه فيها, مدفوعا بحنين غامض إلى بيته الأول ليكرر سيرة آبائه وأجداده. يعرف الطريق بدقة مدهشة, بالتعرف على رائحة وطعم المياه التي شهدت مولده والتي لم ينسها أبدا.

الرحلة منهكة والسباحة في اتجاه أعالي النهر تتطلب منه أحيانا أن يقفز, ويقفز, قفزات تصل إلى ستة أمتار اتساعا وثلاثة أمتار ارتفاعا فوق سطح النهر. ولكنه يفاجأ بعائق مستحيل.

جدار هائل يسد مجرى النهر من الضفة إلى الضفة, ويرتفع عاليا عاليا عاليا. يقفز السلمون, لكنه يرتطم بالجدار. يعاود القفز لعله يجتاز المانع المعتم, لكنه يرتطم بالحائط الاسمنتي ويهوي. ويموت الكثير من أسماك السلمون, ويجرفها التيار ميتة نحو المصب.

انتبه أنصار البيئة إلى الكارثة التي يمكن أن تهدد أسماك السلمون بالانقراض, فجسم السد الذي أقيم على النهر يعيقها عن الوصول إلى الأماكن التي ستضع البيض فيها, ولو تكرر ذلك لما نشأت أسماك جديدة.

أثار أنصار البيئة ضجة كبيرة في الصحافة والإذاعة والتلفزيون وعلى شبكة الإنترنت, تعاطف ملايين الناس مع أسماك السلمون التي تريد أن تعود إلى مواطنها لتبيض فيها, وخرج آلاف الناس إلى الشوارع في مظاهرات تطالب بإنقاذ المسلمون, اضطرت الحكومة للاستجابة, بسرعة, وعقدت اجتماعات طارئة مع المختصين للبحث عن وسيلة للإنقاذ.

خرجت لجنة من كبار مهندسي السدود وعلماء البيئة باقتراح إنشاء درج عند طرفي جسم السد, يصعد من الأمام حتى القمة ثم يهبط إلى الخلف, على أن يظل الدرج مغمورا بالمياه,وتم التنفيذ في وقت قياسي قبل موسم عودة السلمون.

جاءت الأسماك وكانت في البداية تقفز وترتطم بحائط السد, مات الكثير منها, لكن البقية اهتدت إلى وجود الدرج, وراحت تقفز عليه, قفزة, وقفزة, قفزات مدهشة كانت الأسماك تصعد بها الدرج حتى تبلغ القمة, ثم تقفز في مياه النهر وراء جسم السد, تواصل السباحة ضد التيار لتصل إلى مواطنها, وتضع البيض لتخرج منه أفراخ سلمون جديدة, تكبر, وتواصل سيرة الأجداد.

 


 

محمد المخزنجي