بيتنا الأرض

بيتنا الأرض

الثعلب فى مصيدة الكسوف

استعد كثيرون من سكان القرية التى تقف على حافة الصحراء لاستقبال الظاهرة الغريبة التى سيمكنهم مشاهدتها من فوق أسطح البيوت وقمم التلال المحيطة والأماكن المرتفعة المكشوفة تحت السماء. تزود كل منهم بقطعة زجاج ملونة أو نظارات غامقة أو شرائح من افلام تصوير الأشعة التى سبق استخدامها. لقد عرفوا ذلك من الإذاعة والتلفزيون والصحف, بل إن بعثة من العلماء المحليين والأجانب جاءت ونصبت معدات معقدة فوق أعلى التلال المحيطة بالقرية, تلسكوبات كبيرة وكاميرات تصوير وأجهزة الكترونية. وتردد أن هذا المكان هو أفضل موقع فى العالم لرصد ظاهرة كسوف الشمس التى لا تتكرر كثيراً.

كانت السماء صافية والشمس ساطعة وقوية, وفجأة بدا كأن الدنيا تغيم إذ أخذ ضوء النهار يضعف ثم يعتم وسادت ظلمة رمادية وكأن الوقت ما بعد الغروب برغم أن الساعة لم تكن تجاوزت الثانية عشرة ظهرا. ورأى الجميع من وراء نظارات وشرائح افلام الأشعة والعدسات الداكنة مراحل كسوف الشمس منذ بدأت الدنيا تغيم حتى انتشرت العتمة : كان قرص القمر ينزاح ببطء, ببطء نحو قرص الشمس, فى البداية تلامس القمر الذى ظهر كدائرة سوداء مع حافة قرص الشمس المضيء, وبدا أن قرص الشمس يتآكل حتى صار هلالاً أخذ ينحف, ينحف, وفى النهاية غطى القمر قرص الشمس فلم تعد هناك غير دائرة سوداء حولها هالة رقيقة من الوميض الذى لم يكن يكفى لإضاءة الأرض.

استمرت تلك العتمة بضع دقائق حبس فيها الناس أنفاسهم وسكتت الدنيا بكل ما فيها من حيوانات وطيور كانت تصخب وتتحرك فى الضوء باستثناء الأوز الذى أخذ فى التصايح بشكل عصبى, وكان هناك حيوان من حيوانات الصحراء هو ثعلب (الفينك) التقطت أذناه الكبيرتان جدا صوت الأوز من بعيد, فأطل بحذر من أحد أبواب جحره. أحست عيناه المدورتان ضعيفتا البصر بغياب الضوء فظن أن الليل قد حل, فهو يهجع داخل الجحر فى النهار ويخرج للصيد عند حلول الظلام. تساحب عبر التلال ودخل القرية مهتديا بصوت الأوز وما إن هم باختطاف دجاجة ساكنة عند مدخل أحد البيوت حتى انتشر الضوء فجأة وعاد ضجيج النهار فى لحظة, تصايح البشر ونبحت الكلاب وصوصوت العصافير فتجمد الثعلب من شدة الرعب.

لقد انتهى كسوف الشمس.. انزاحت دائرة القمر المعتمة عن قرص الشمس رويدا رويداً, فبدأت الشمس تسطع كهلال نحيف أخذ يكبر يكبر حتى اكتمل القرص ساطعا وبهت القمر فى السماء المنيرة وعاد الضوء يغمر الأرض.

لبث الثعلب المبهوت جامدا فى مكانه, يبهر الضوء عينيه المدورتين ضعيفتى البصر, وتلتقط أذناه الكبيرتان أصوات النهار الكثيرة العالية, فيرتبك سمعه الحاد وكأن عشرات من مكبرات الصوت تصرخ فى أذنيه. وقع الثعلب فى مصيدة لم يفطن إليها بمكره المعروف, ولم يكن أمامه مع اقتراب أقدام الناس الذين أخذوا فى مطاردته, إلا أن يفر على غير هدى.

 


 

محمد المخزنجى