بيتنا الأرض

الصبّار المدهش

شوكٌ قاسٍ, زهورٌ بديعة, ثمارٌ لذيذةٌ

قبل طلوع الشمس بساعة تقريبًا, تفتحت زهرة الصبار الصغيرة البديعة الألوان.

هاهي تستعدّ لرؤية النور للمرة الأولى.

كان ضوء الفجر خافتًا, ولكن الزهرة استطاعت أن ترى ما حولها, وأن تعرف أنها موجودة في حديقة كبيرة.

(كم أنا سعيدة!), قالت( لدي الكثير من الجيران والأصدقاء, سأمضي أوقاتًا ممتعة هنا, وأستمع إلى حكايات مسلية من هذه النباتات الكثيرة المحيطة بي).

ماتزال نباتات الحديقة نائمة. لكن صوتًا همس للزهرة قائلاً: (مرحبا أيتها الصغيرة).

استيقظت نبتة جميلة خضراء خالية من الزهور, ومليئة بالأشواك, ردّت الزهرة التحية: (مرحبا, أنا تفتحت منذ دقائق فقط ولا أعرف أين أنا الآن).

(أنت في حديقة الصبّار. جميع النباتات هنا من الصباريات).

اندهشت الزهرة من الأمر فالحديقة كبيرة ولاشكّ أن أنواع الصباريات عدة. أخبرتها النبتة أنه يوجد ألفا نوع من الصبار.

(ألفا نوع! لن يكفي العمر كله حتى أتعرّف إلى كل هذه الأنواع!) قالت الزهرة.

ابتسمت النبتة الخضراء, وراحت تدندن أغنية جميلة. فسألتها الزهرة متعجّبة: (أنت سعيدة? ولكن ألا تؤلمك كل هذه الأشواك التي تنبت فوقك?).

(لا), أجابت (بل هي مفيدة جدا, وجميع نباتات الصبار تحتاج إليها, فهي تحمينا من الحيوانات التي تأكل النبات).

نظرت الزهرة إلى ساقها وقالت: (ولكن أنا ليست لدي أشواك, فهل ستأكلني الحيوانات?).

(لا, فأنت تملكين شعيرات صغيرة جدا وكثيفة جدا تحميك, كما أن ألوانك الجميلة تدفع الإنسان إلى الاعتناء بك, وحمايتك وقد يأخذك لتزيني بيته).

قالت الزهرة خائفة: (ولكني أخشى أن يقطفني, فأموت بسرعة). طمأنتها النبتة الخضراء, وأكدّت لها أن صاحب هذه الحديقة لطيف جدا ولا يقطف الزهور بل يعتني بها كثيرا.

أشرقت الشمس اللطيفة وعلت زقزقة العصافير, فاستيقظت نباتات الحديقة, وراحت تتعرف الى الزهرة الصغيرة التي تفتّحت حديثًا.

اندهشت الزهرة من ألوان ثمار الصبار المختلفة, البنفسجية والحمراء والبرتقالية, وكذلك ألوان الورود المتعددة, وأيضا أشكال نباتات الصبار. قالت لها الثمرة البنفسجية اللون: (من حقك أن تستغربي فالإنسان العظيم الذي صنع المعجزات مازال مندهشًا من تنوّع أصنافنا, وكلما اكتشف صنفًا ازداد إعجابًا وانبهارًا بنا).

عندها حطّ عصفور تحت شجرة صبّار كبيرة, مليئة بالفاكهة البرتقالية اللون, اليبضاوية الحجم. قالت الزهرة لهذه الشجرة الكبيرة: (يبدو لي أنك أقدم الشجرات هنا, هل تعرفين الكثير من الحكايات?).

ضحكت الشجرة وقالت: (نعم طبعًا, سأحكي لك الكثير من الحكايات, عن العصافير والفراشات والشمس والمياه, ولكن يجب أن تعرفي أولاً بعض المعلومات عن الصبار الذي تنتمين إليه.

الموطن الأصلي لهذا النبات هو القارة الأمريكية تحديدًا والقارة الأفريقية وأستراليا وبعض أنواعه فقط تعيش في حوض البحر المتوسط. اكتشف الرحالة كولومبس الصبار الغريب والجميل في أفريقيا, وأهداه لملكة إسبانيا, ففرحت به كثيرًا, وطلبت المزيد. لم يكن الأوربيون يعرفون هذا النبات, فهو لا يعيش إلا في المناطق الحارة والصحراوية, ثم عشق ملوك روسيا وأوربا الصبار وأصابهم (هوس الصبار), إذ صاروا يدفعون الكثير من المال ثمنًا له. وهكذا صار للصبار حدائق خاصة).

اشتدّت حرارة الشمس وصار الجو حارًا جدًا, ولكن نباتات الصبّار لم تتأفف أو تطلب الماء. سألت الزهرة عن صاحب الحديقة: (ألن يأتي ليسقينا?) فأخبرتها نبتة بنفسجية الزهور أن الصبار يصبر على العطش, وفي الصحارى الأفريقية والأمريكية يمضي الشهور بلا ماء, والسبب أنه يخزّن الماء داخله. وشرحت لها: (ألا تلاحظين أن نباتات الصبار ليست لها أوراق? إذا كانت لها أوراق ستزيد مساحتها وستتبخّر مياهها بسرعة. لهذا فإننا نحتفظ بحاجتنا إلى الماء داخل جذوعنا. انتبهي أيضًا إلى أن كلمة صبار تأتي من كلمة (الصبر), أي أننا نصبر ونتحمّل العطش والحرارة المرتفعة والظروف المناخية القاسية).

عندما غابت الشمس لاحظت الزهرة أن نباتات الصبار حزينة. فسألت عن السبب? أجابت إحدى النباتات الطويلة: (إننا نحب الضوء ونكره العتمة, صحيح أن الشمس تسعدنا لكن هناك بعض أنواع الصبار لا تتحمل الشمس القوية لفترات طويلة, لهذا فإن صاحب الحديقة قد ظللها).

قالت الزهرة: (آه! كم هو لطيف! ماذا يقدّم له الصبّار بالمقابل?).

أجابت النبتة: (تحتوي بعض أنواع الصبار على عصارة مفيدة لعلاج أمراض الإنسان الصدرية, كذلك يستخرج منا زيتًا مفيدًا لشعره وجلده, كما يجني ثمارنا الشهية, ويزرع كل عام المزيد والمزيد منا).

في الصباح التالي شعرت الزهرة بشيء يدغدغها. فتحت عينيها فوجدت طفلة لطيفة تقبّلها وتنادي قائلة: (تعالى يا بابا! لقدت تفتّحت زهرة جديدة, إنها رائعة الجمال, أرجوك يا بابا اعتن بها جيدًا ولا تسمح لأحد بقطفها).

هنا ابتسمت الزهرة للطفلة وزادت تفتحها أكثر وأكثر, وكأنها تقول لها: (شكرًا لك).

 


 

بسمه الخطيب