رحلة فى عالم السيرك

رحلة فى عالم السيرك

رسوم : محمد يونس

منذ فجر التاريخ والإنسان في صراع مع قوى الطبيعة وسائرالمخلوقات ومنها الحيوانات.

لكن الإنسان الذي ميّزه الله تعالى وأنعم عليه بنعمة العقل سخر تلك القوى والمخلوقات لخدمته.

ولعل البدايات الأولى لفنون السيرك اتضحت مع تسخير الإنسان للحيوانات وتدريبها في العصور القديمة.

ونرى في الرسوم القديمة الفهود السوداء والنمور والكلاب التي استخدمها الفراعنة في الصيد والحراسة.

وتحكي وفود العرب التي زارت أفريقيا عن الأسود التي تحرس بلاط الملوك هناك, وهو ما رآه عمرو بن العاص - رضي الله عنه - في بلاط النجاشي ملك الحبشة.

وظهرت بدايات السيرك الحديث مع الأمم والجماعات التي احترفت تدريب الحيوانات وترويضها وفنون الحواة, وألعاب المهارات الخطرة كالتوازن والأكروبات.

ولعل الغجر الرحل هم أكثر هذه الجماعات شهرة, فقد كانوا يتنقلون بحيواناتهم المدربة وألعابهم بين المدن والقرى في بلاد عدة لتقديم عروضهم مقابل قروش زهيدة.

أما السيرك كما نراه حاليا فقد ظهر على أيدي بعض الأسر التي برعت في فنونه في فرنسا وإيطاليا في القرن السابع عشر الميلادي ومنهما انتقل إلى روسيا التي ازدهر فيها فن السيرك منذ القرن التاسع عشر وحتى اليوم.

أما أكثر فنون السيرك شعبية فهو ترويض الحيوانات خاصة المتوحشة, وألعاب الأكروبات والتوازن والبسكليت.

أما أحب الفقرات وأكثرها إثارة تلك التي يؤديها المهرج الذي يكون من أمهر اللاعبين وأخفهم ظلا, فهو ينتزع إعجاب الجمهور وضحكاته معًا.

وكثير منا لا يعرف أن العرب برعوا في ترويض الحيوانات منذ أقدم العصور, فقد عرفت البادية ترويض الصقور والخيل والإبل.

كما عرفت بلدان المغرب العربي ترويض الثعابين والقردة والأسود التي كانت تعرف بأسود جبال أطلس, وللأسف أن تلك الأسود انقرضت أو كادت أن تنقرض.

وأشهر العائلات العربية التي احترفت فنون السيرك وأتقنتها, عائلات (الحلو) و(عاكف) و(كوته) في مصر, وعائلة (عمار) في تونس والتي كانت تقدم فنونها أيضا في باريس.

ولأن ألعاب السيرك تتطلب قدرًا كبيرًا من الشجاعة والمهارة والمجازفة, فقد لقي العديد من لاعبي السيرك مصرعهم أثناء ألعابهم الخطرة أو أصيبوا إصابات بالغة في سبيل إسعاد الجمهور.

وقد لقي المدرب المصري محمد الحلو مصرعه بعد أن هاجمه الأسد سلطان, وكذلك المدرب التونسي عمار الذي كان يضع رأسه في فم الأسد, وأيضًا العديد من عمال السيرك تعرضوا لمثل ذلك.

ورغم خطورة وصعوبة ألعاب السيرك, إلا أنه يبقى وسيلة لإسعاد الصغار والكبار, ووسيلة مهمة للترويج والجذب السياحي.

فقد أصبح السيرك أهم عناصر الجذب في اليورو ديزني (ديزني لاند الأوربية) حيث يزورها في باريس مئات الألوف.

ولا ينسى من حضروا مهرجان دبي للتسوق في سنة 2003 مشهد الفيلة الإفريقية وهي تسير في شارع الرقة ووقع أقدامها مختلط مع إيقاعات الأدغال الإفريقية.

وقد زار كثير من السياح خيمة السيرك الأفريقي التي نصبت مقابل مدينة الغرير, وحوالي 35 لاعبا محترفا من كينيا وزنجبار وتنزانيا قدموا العروض الأكروباتية الفلكلورية الإفريقية, وعروض الحيوانات الرائعة, وقد تميز اللاعبون بأزياء سكان القبائل الإفريقية.

وكان عرض السيرك الأفريقي الذي قدم في دبي هو الأول من نوعه في منطقة الخليج, وخلال العرض الذي استمر ساعتين تجسّد شعار المهرجان (عالم واحد, عائلة واحدة).

وكما تعاونت مصر في الستينيات من القرن الماضي مع الخبرات الروسية لتطوير السيرك القومي القديم الذي جاب العالم, وأصبح من أهم عناصر الجذب السياحي,تبنى المخرج التونسي محمد إدريس فكرة أول مدرسة لتعليم فنون السيرك في تونس في المبنى الخاص بالمسرح الوطني, بالتعاون مع مركز فرنسي لفنون السيرك سنة 2003.

وترجع هذه الفكرة إلى سنة 1995 حيث تم التفكير في إنشاء سيرك, وتم تدريب مجموعة من الشباب شاركت في افتتاح دورة ألعاب البحر المتوسط التي استضافتها تونس في سبتمبر سنة 2001.

وماتزال الأعمال الدرامية في السينما والمسلسلات وحتى المسرح تعتمد على لاعبي السيرك وحيواناته, في أداء المشاهد المثيرة الرائعة, فالأسود والتماسيح والفيلة, والسير على سيقان خشبية, والقفزات الخارقة, لا يؤديها إلا أهل السيرك.

ويبقى السيرك فنونًا ومتعة ومهارة وشجاعة وعنصرا مهمًا من عناصر الجذب السياحي, والرحلة المفضلة للصغار والكبار معًا, ونظنها ستختلف بعد أن عرفت تاريخ السيرك.

 


 

خالد سليمان