الإسلام حضارة

الإسلام حضارة

الكندي

نحن ندرس في الصفوف المتقدمة مادة الكيمياء, ومثل أي مادة دراسية علمية أخرى, لم تبدأ اليوم, بل بدأت منذ زمن بعيد. وبالرغم من أن علم الكيمياء مستمد من الحضارة الفرعونية القديمة, إلا أن العلماء المسلمين في عصور ازدهار الحضارة الإسلامية, اشتغلوا بعلم الكيمياء, فأعادوا تأسيسه من جديد وتقدموا فيه بشكل كبير, في الوقت الذي كانت تعاني فيه الكثير من حضارات العالم من التدهور.

وقد استطاع كيميائيو الحضارة الإسلامية, من العلماء والمشتغلين في المختبرات, تحضير العديد من المواد الكيميائية التي ساعدت في الكثير من نواحي الحياة, مثل صناعة الصابون والصباغة وصهر الحديد والذهب والمعادن, كما استطاعوا صناعة أدوات وأجهزة الكيمياء مثل السيوف والمغناطيس وغيرهما.. ولقد تُرجمت كتب الكيمياء إلى اللغات اللاتينية: الإنجليزية والإسبانية وغيرهما مما ساعد على انتشارها في أوروبا وإسهامها في تطور الكيمياء هناك.

وأحدثت هذه الجهود تطويرا كبيرا في علم الكيمياء على يد علماء مسلمين كبار, عرفوا في جميع أنحاء العالم وكان لهم الفضل في إحداث نهضة علمية شاملة, وكان في مقدمتهم الكندي الذي درس العديد من العلوم واستطاع استخلاص آراء ونظريات عظيمة.

فمن هو الكندي?

هو أبو يوسف يعقوب بن إسحاق الكندي, وقد كان العلماء في زمانه, خلال القرن التاسع الميلادي, لا يقتصرون على تخصص واحد, بل كانوا يبحرون في علوم كثيرة, لذا عرف الكندي بأنه, فيلسوف وكيميائي وفلكي وموسيقي ورياضي, بل لقد لقب الكندي باسم (فيلسوف العرب) لأنه كان أول فيلسوف يظهر في الإسلام. والفلسفة هي أن نحكّم العقل في تفسير كل شيء.

ولد عالمنا الكندي بالكوفة لأسرة عربية أصيلة تمتد أصولها إلى قبيلة كندة. وكانت أسرته ثرية, فكان أبوه حاكما على إمارة الكوفة أيام الخليفة محمد المهدي وولديه الهادي والرشيد, وكان يمتلك أراضي خاصة به في مدينة البصرة. والكوفة والبصرة هما اليوم مدينتان في العراق.

توفي والد الكندي وهو لايزال غلاما, إلا أن ذلك لم يثنه عن مواصلة تعليمه, فمضى بعزم ينهل من معين العلوم المختلفة في الكوفة والبصرة وبغداد, وبدأ بدراسة علوم الدين فدرس العلوم الشرعية ودرس أسس علم الفقه عن الإمام أبي حنيفة وأسس علم القضاء عن عبد الرحمن بن أبي ليلى. ثم انتقل الكندي إلى بلاط المأمون والمعتصم, وهما من الخلفاء العباسيين, فنال حظا كبيرا باطلاعه على العلوم المختلفة, حيث قربه المعتصم بالله الخليفة العباسي, وكان معجبا بسعة علمه وتعدد معارفه, وطلب منه تعليم ابنه أحمد, لذلك أهدى الكندي للمعتصم كتابه الأول المؤلف في الفلسفة, كما أهدى لابنه أحمد كتبا عديدة من مؤلفاته. وكان جريئا فحاول للمرة الأولى أن يجمع بين أصول الفقه الدينية والعلوم العقلية من فلسفة فكتب رسالة في التوحيد مبنية على طرق أهل المنطق.

وقد عاش الكندي في دار الخلافة فعمل في خدمة الخلفاء وعلاجهم, واستطلاع التوقعات الفلكية لهم, كما عمل في ديوان الخراج (وهو يوازي وزارة المالية المعنية بالضرائب والزكاة), وهذا ما جعل عددا كبيرا من كتاباته العلمية تخدم اهتمامات بلاط الخلافة مثل رسالته في صناعة الزجاج , والجواهر , والعطور , والموسيقى.

وبزغ الكندي في علوم الرياضيات والموسيقى والفلك والفيزياء. ومن مؤلفاته في الرياضيات والفلك : (رسالة في استعمال الحساب الهندسي), (رسالة في الحيل العددية), رسالة في علل الأوضاع النجومية), (رسالة في صنعة الإسطرلاب), (رسالة في التنجيم(, (إلهيات أرسطو(,(الأدوية المركبة), (رسالة في الموسيقى) (المد والجزر), (السيوف وأجناسها).

وقد راقب الكندي أوضاع النجوم والكواكب ـ خاصة الشمس والقمر ـ بالنسبة للأرض, وما لها من تأثير طبيعيüوما ينشأ عنها من ظواهر. وأتى بآراء خطيرة وجريئة في هذه البحوث, وفي نشأة الحياة على ظهر الأرض, مما جعل الكثيرين من العلماء يعترفون بأن الكندي مفكر عميق من الطراز الرفيع.

أما في الكيمياء فقد عارض الفكرة القائلة بإمكانية استخراج المعادن الكريمة أو الثمينة كالذهب, من المعادن غير الكريمة. وكتب في ذلك رسالة اسماها (رسالة في بطلان دعوى المدعين صنعة الذهب والفضة وخدعهم).

أما في الفلك, فلم يكن الكندي يؤمن بأثر الكواكب في أحوال الناس, ورفض ما يقول به المنجمون من التنبؤات القائمة على حركات الأجرام. ووجه اهتمامه إلى الدراسة العلمية للفلك وعلم النجوم وأرصادها. ويعدّه بعض المؤرخين واحداً من ثمانية أئمة لعلوم الفلك في القرون الوسطى. كما أن الكندي كان مهندساً بارعاً, يرجع إلى مؤلفاته ونظرياته عند القيام بأعمال البناء, خاصة بناء القنوات, كما حدث عند حفر القنوات بين نهري دجلة والفرات.

وتتجلى إسهاماته في الطب في - محاولته تحديد مقادير الأدوية على أسس رياضية. وبذلك يكون الكندي هو (أول من حدد بشكل منظم جرعات جميع الأدوية المعروفة في أيامه).

 


 

هيثم خيري