عالم الطوابع

عالم الطوابع

حكاية طوابع البريد في فلسطين

رغم أن الطابع هو قصاصة صغيرة من الورق, سواء كانت قصاصة مخطوطة أو مرسومة أو مصورة, تلصق على ظرف, إلا أن داخل كل طابع قصة, ومع دولة فلسطين تحكي الطوابع حكايات كثيرة بدءًا من تصوير خيرات هذا البلد الجميل, مرورًا باحتلاله, ومقاومة أبنائه للاحتلال, وثورته, وانتفاضته, وأيضا تراث أبناء الشعب الفلسطيني, الذي يقدم لنا صورًا من الملابس التقليدية والثمار التي تزرع فوق هذه الأرض, والأعلام التي دافعوا عنها.

والطوابع ابتكار حديث لا يتعدى عام 1840, حين بدأت بريطانيا بتلك القصاصة تلصقها على الرسالة كدليل على دفع الرسم المستحق عن توصيل البريد, وفي العام نفسه بدأ البريد الرسمي المنظم في فلسطين, بافتتاح مراكز البريد العثمانية فيها وفي غيرها من البلاد العربية الداخلة ضمن خريطة الدولة العثمانية. ولكن استخدام الطوابع في فلسطين لم يبدأ إلا بعد ذلك بخمس وعشرين سنة (1865). وفي فترة ما قبل الطوابع كان يكتفى بالختم على الرسالة دليلاً على دفع الرسم المطلوب.

وقد بدأت الدولة العثمانية بعد إصدار الطوابع ورواج استخدامها, في توسيع الخدمة البريدية, فافتتحت بفلسطين تسعة مراكز بريدية جديدة, في القدس ونابلس والخليل وغزة ويافا وبيت لحم وطبريا. وفي نهاية القرن التاسع عشر بلغ عددها 22 مركزًا. وحين افتتح خط السكة الحديد القدس- يافا في أواخر القرن نفسه 1884 صارت الخدمة البريدية اليومية بين المدن الفلسطينية, وبين حيفا ودمشق.

ولم تكن الطوابع ولا البريد حكرًا على المكاتب العثمانية بفلسطين, بل استغلت الدول الأوربية الكبرى (ألمانيا وإيطاليا والنمسا وبريطانيا وفرنسا وروسيا) ضعف الدولة العثمانية, واضطرتها إلى عقد اتفاقات حصلت بموجبها على امتيازات خاصة. وبين سنتي 1852 و1870 استغلت قنصليات الدول الست امتيازاتها لتفتح مراكز بريدية مستقلة في القدس وحيفا ويافا, لا تخضع للسلطات العثمانية, ولا تستعمل الطوابع والأختام العثمانية.

استعملت كل قنصلية الطوابع التي تصدر في بلدها, دون أن يكون لاستخدامها في فلسطين من علامة, سوى الختم البريدي الذي يحمل اسم مركز البريد القنصلي واسم المدينة التي صدرت منها (القدس, يافا, حيفا). ما عدا فرنسا التي أصدرت طوابع خاصة لاستعمالها في فلسطين ولبنان وسورية, كتبت عليها كلمة ليفانت Levant أي المشرق, واستخدمت أختامًا حملت اسم المدينة وكلمة فلسطين. كما سمح السلطان العثماني لمصر بين عامي 1859 و1870 بافتتاح مركز بريد في يافا, قام لعدة أعوام بدور هام في تبادل الرسائل بين مصر وفلسطين.

وحتى عام 1898 ظل البريد المرسل إلى الدول الأجنبية يوزع عبر مركزين: البريد المرسل إلى أوربا الغربية يرسل من حيفا ويافا إلى بورسعيد في مصر, والمرسل إلى أوربا الشرقية يرسل عبر بيروت في لبنان. وفي عام 1900 استعملت روسيا وإيطاليا طوابعهما مع ختم خاص مطبوع يحمل اسم يافا أو القدس, على حين اكتفت البلدان الأوربية الأخرى بإضافة الرسم البريدي بالنقد العثماني (البرة والقرش).

بدخول القوات البريطانية الغازية فلسطين عام 1917 بقيادة الجنرال أدموند أللنبي, توقفت الطوابع العثمانية نهائيًا, وافتتحت قوات الاحتلال البريطاني مكاتب بريد عسكرية, أسندت إلى ملحق بمقر الأركان العسكرية لـ (قوات الحملة المصرية E.E.F) (وهو الاسم الذي اتخذته بريطانيا, تغطية لاحتلاها فلسطين والسودان من قبل).

وأصدرت قوات الاحتلال طوابع لاستعمالها الخاص, عرفت بالطوابع الزرقاء, وتميزت بالأحرف الثلاثة السابقة ( وكتب عليها (خالص الأجرة), طبعت في مطابع المساحة بالجيزة في مصر, ولم تكن الطوابع متاحة لاستعمال غير رجال الجيش. وفي العام نفسه أصدرت حكومة الاحتلال مجموعة من 11 طابعًا, تحمل تصميم الطوابع الأولى نفسه بألوان وفئات مختلفة, طبعت في لندن, واستخدمتها في فلسطين ولبنان وسورية وأضنة (كيليكية).

في عام 1919 طالبت الحركة الصهيونية مؤتمر الصلح بين الدول المتحاربة والذي عقد في مدينة باريس بوضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني, وعين السير هربرت صموئيل, اليهودي الصهيوني, أول مندوب سام بريطاني في فلسطين في 1 / 7 / 1920 .وطالب صموئيل باستمرار استعمال طوابع (خالص الأجرة - E.E.F) بعد إضافة كلمة فلسطين موشحة overprinted باللغات الإنجليزية والعربية والعبرية على التوالي, على أن يتبع الاسم بالعبرية الحرفان- أ.إ. ومعناها (أرض إسرائيل), (إيرتز إسرائيل), واحتج الفلسطينيون, لخوفهم من تطبيق وعد بلفور, ومن بدء التنازلات التي ستفرض عليهم من حكومة الاحتلال.

ثم كلفت هيئة البريد البريطانية الرسام البريطاني ف. تيلور بوضع تصميمات أربعة:(قبر راحيل) وهو رمز ديني يهودي, و(قلعة القدس) باب العمود وتطلق عليها الصهيونية (برج داود) من باب التهويد. أما التصميمان الآخران فيمثلان (قبة الصخرة) في القدس, و(جامع مدينة طبرية) وتسمية الصهيونية (بحر الجليل).

ولم يقف شعب فلسطين ساكنًا أمام الاحتلال البريطاني والاستيطان اليهودي, بل بدأ النضال السياسي والعسكري منذ البداية, وقد تمثل في ست ثورات وانتفاضات مسلحة, كان أهمها ثورة 1936 - 1939. وقد استخدم الشعب الفلسطيني الطوابع كأحد أسلحة مقاومته للاحتلال والتهويد إذ أصدر الثوار مجموعتين هامتين من الطوابع. الأولى بمناسبة المعرض العربي بالقدس في 6 / 4 / 1934, وكان تأكيداً لعروبة فلسطين, مثلما كانت الطوابع الصادرة عنه.

أما المجموعة الأخرى فقد كانت تتألف من طابعين, صدر الأول عام 1936, وكان يباع لجمع التبرعات لرجال المقاومة باسم بيت المال العربي (الجهاز المالي للهيئة العربية العليا). والطابع الثاني أصدره (صندوق الأمة العربي) لجمع التبرعات لصالح الصندوق, وكان يعمل لإنقاذ الأراضي العربية من محاولة الصهيونيين شراءها. وفي عام 1938 أصدرت المقاومة مجموعة طوابع تحمل شعار (فلسطين للعرب), طبعت في يافا, واستخدمت بدلا من طوابع حكومة الانتداب, في المناطق التي تسيطر عليها, وتعتبر اليوم طوابع أثرية نادرة, كما أنها أول طوابع فلسطينية تحمل شعارات نضالية سياسية, تؤكد هوية فلسطين العربية.

وفي عام 1947 أصدرت سورية والأردن والعراق ولبنان لأول مرة طوابع بصور فلسطينية, كطوابع مالية لدعم المقاومة.

في عام 1960 أعلنت الأمم المتحدة (السنة الدولية للاجئين), وأصدرت معظم دول العالم طوابع تذكارية, تبنت معظمها تصميم شجرة مقتلعة من الجذور, منفردة أو مصحوبة بتصميم آخر, إلا مصر وسورية واليمن التي تفردت بإصدار طوابع عن اللاجئين الفلسطينيين. وفي عام 1956, في الذكرى السابعة عشرة لمذبحة دير ياسين, أصدرت معظم الدول العربية طوابع تتبنى تصميمًا ذا فكرة موحدة ترمز إلى المذبحة.

وظل التعبير الرئيس عن فلسطين في الطوابع العربية حتى عام 1967, هو التعاطف مع اللاجئين, أصدرت معظمها مصر والكويت, إذ كانت تصدر طابعًا عن فلسطين كل عام في يوم الأمم المتحدة. وأصدرت الأردن طوابع تمثل الأماكن الدينية والسياحية في فلسطين.

وفي 5 / 6 / 1967 احتلت الدولة الصهيونية كل فلسطين وسيناء المصرية ومرتفعات الجولان السورية, وشردت 401 ألف لاجئ فلسطيني جديد وتوقف استعمال الطوابع الأردنية بالضفة الغربية, والطوابع المصرية الموشحة في غزة. وتبنت الطوابع العربية قضايا الأسرى الفلسطينيين, وأصدرت معظم الدول العربية طوابع تؤكد عروبة القدس, وتطالب بتحريرها.